حمل الأمر الملكي الكريم القاضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة سمو ولي العهد لتتولى قضايا الفساد في القطاع العام في جعبته بشائر التحول الجذري والحازم للإطاحة برؤوس الفساد وتعرية رموزه واجتثاثه من جذوره، وحتماً سيكون لهذه اللجنة دور في إرساء مبادئ العدالة الناجزة والعقوبة الزاجرة والقضاء على أحد أهم معوقات ما تبذله حكومتنا الرشيدة من جهود وتضعه من خطط وتبذله من مشروعات وتنفقه من أموال تهدف إلى توفير حياة كريمة للمواطن أساسها العدل والمساواة وحفظ موارد الأجيال القادمة. الفساد أرهق المواطن وأنهك الوطن وبدد خيراته واستنزف موارده وعطل تنميته وسلب تقدمه؛ واستشرائه برز نتيجة الخلل الواضح في مكافحته نتيجة استحواذ فئة على مقدرات الوطن وخيراته وموارده، وبالتالي مزيد من السلطة والسطوة على أدوات النفوذ في منظومة مفاصل صنع القرار سواء في مجتمع العمل الحكومي أو قطاعات الأعمال الخاصة، مما يبرز شبكة من الفاسدين المسيطرة على كافة البرامج والمبادرات وفق ما يحقق مصالحها الخاصة؛ وهذا بلا شك يصيب باقي المجتمع بحالة من الإحباط والشعور نتيجة انتشار الممارسات الفاسدة وبفقدان العدالة الاجتماعية وبأن لا وسيلة سوى بالتعايش مع الفساد والقبول به كممارسات عرفية وقيمة اجتماعية ومكون من مكونات الحياة "الطبيعية" في المجتمع، مما على المدى البعيد ينعكس على هيبة الدولة ويقلل من سلطة أنظمتها وأجهزتها الرقابية، ومصداقية مساعيها في مكافحة الفساد. نحن اليوم نعيش في عهد ميمون ومبارك ينفرد بحراك محوري وهيكلة متنوعة المسارات ومتعددة التطلعات، ذات رؤية وطنية طموحة تتسم بجزالة حاضر وتعتز بأصالة ماض وتؤسس لمستقبل زاهر؛ رؤية وطنية أخذت على عاتقها نقل الوطن بكامل مكونات مجتمعه ومنظوماته السياسية والتنظيمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لمرحلة تتناسب ومكانة مملكتنا الغالية وتلبي طموحات شعبها الأبي؛ رؤية وطنية جعلت من مكافحة الفساد وتعزيز مقومات النزاهة ومبادئ الشفافية وقواعد الحوكمة مرتكزاً رئيساً لانطلاق برامج ومسارات عملها؛ وهي كذلك رؤية جسورة ليس بما جاء على لسان مهندسها سمو ولي العهد من التزم بمكافحة الفساد، وإنما بما تجسد في الأيام الماضية من قرارات على أرض الواقع وتحكي بذاتها عن نفسها؛ ولهذا نقول: الوطن ليس جسراً قصيراً للدخول لنادي الثراء غير المشروع أو بأن يضل المنصب وسيلة للتكسب، لأن مصلحة الوطن ومواطنيه لا يفترض أن يُعلى عليها، لذا كان لا بد من تحول حقيقي في مكافحة الفساد والانتقال بمراحل سلطاته (الضبط، التحقيق، الادعاء) من المرحلة الخجولة أو الانتقائية في المساءلة القانونية، إلى المرحلة الجسورة والشاملة في إجراءات المحاسبة القضائية الموصلة للمحاكمة الجنائية والموجبة للعقوبة الزاجرة والرادعة لكل من تسول له نفسه المساس بمكتسبات ومقدرات الوطن.