من أصعب وأحرج ما يواجهه الشاعر عندما يكتب قصيدة الاعتذار -حسب وجهة نظري- ففي مثل هذه المواقف يمتزج الإحساس برغبة الاعتذار، والاعتزاز بالنفس، وكيف يصبح في موضع الضعف!.. مع أن الاعتذار لا يعيرنا، ولن نكون في موقف الخجل، وربما يتصور البعض أن الاعتذار يجرح كرامة الإنسان، لكنه عكس ذلك يجعلك كبيراً في عين من أخطأت في حقه، وبالنسبة للشاعر المتمكن فإنه يكتب هذا الاعتذار بطريقته الخاصة والمتفننة، وفيها الكثير من الإبداع، وكذلك التلاعب بالكلمات، وفي ذلك كتب لنا الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن قصيدة رائعة وشهيرة في فن الاعتذار وذلك بأسلوبه الراقي وإحساسه المرهف: ابعتذر.. عن كل شيء.. إلا الهوى.. ما للهوى عندي عذر.. ابعتذر.. عن أي شي.. إلا الجراح.. ما للجراح إلا الصبر.. إن ضايقك اني على بابك أمرّ.. ليلة ألم.. واني على دربك مشيت عمري وأنا قلبي القدم.. ابعتذر.. ابعتذر.. كلّي ندم.. عن كل شيء.. إلا الهوى.. ما للهوى عندي عذر ... ونجد أن بعض الشعراء يصعب عليه قبول الاعتذار لشدّة الخطأ، ويكتفي بالبوح الجميل من مشاعر الألم والجراح كما صوّر لنا الشاعر محمد بن فطيس المري عندما عبر عن مشاعره التي تختلج بين الحنايا في داخل قلب تألم من الصد والهجران، وأصبح الاعتذار أكثر ألماً وجراحاً: غيبتك لو هي دقيقه تعتبر صدّه الوقت دونك سجن وغيابك سياجه لا.. تعتذر لي ترى ماعاد في شدّه اعيد حكي يكود الصدر مخراجه دامه يوصف بجود ابيك وبجدّه وشلون تبخل على المجروح بعلاجه؟ ووشلون قاواك قلبك ردّه.. وصدّه مع انه بين عليه الضعف والحاجه يا قوّ قلبك برد ايمينك وردّه بخلت بمصافحة وارهيت بجراحه إعداد - بكر هذال الاعتذار يسبقه التبرير عن الخطأ الذي وقع فيه الإنسان في بعض المواقف، ومن الطبيعي ذلك لأنه جرت عليه العادة وكما هو في كثير من الأحوال.. ولكن الأجمل عندما يحدث مثل هذا الاعتذار شِعراً كقول شاعرنا سعد بن محمد بن مقرن الودعاني الذي أجاد فن الاعتذار مهما طال به الغياب عن الأحباب وذلك بكلمات مشوّقة، وأسلوب جميل، وبوح عذب، واستطاع بهذا الأسلوب الرائع، وهذه القدرة الفائقة أن يضع نفسه في المكان اللائق به والذي يرفع قدره بالرغم من وقوعه في موقف صعب فقال: لا تحسب إني يوم أجنبك ناسيك ولا هو جفا يا نور قلبي وريفه لاشك أبعد الحوم أبا أغيظ شانيك وأخلف ظنون أهل العقول الضعيفه والا فقلبي مغرمٍ مولعٍ فيك باقي معي نصفه.. وعندك نصيفه والمعدن الثمين ذلك الإنسان النظيف الطاهر النقي خلق في دمه الاعتذار، ولكن بعض الناس يعتبرونه تقليلاً من الشخصية، وضعفاً وانكساراً.. لكنه في الحقيقة صفاء ونقاء، وشجاعة ورجولة.. فالضعيف دائماً يكابر، ولا يستطيع أن يعتذر، وذلك بسبب عدم ثقته بنفسه وفي هذا الاتجاه نختار هذه الأبيات من قصيدة رائعة تحمل المعاني السامية والرائدة للشاعر راجح سالم العجمي والتي يعتذر فيها عن طول غيابه لصديقه الشاعر حمد عبدالله المعجل يقول العجمي: العذر منكم يا هل المجد والجود إني مريض ولا وراي استطاعه متخلف منكم على غير مقصود والا فلا ادور بدلكم جماعه أبغى السموحه يا سند كل مضهود لولا غلاكم ما طلبت الشفاعه وكان الرد من الشاعر حمد عبدالله المعجل بقصيدة جميلة تدل على أصالة الرجل الذي يقبل الاعتذار لأن المعدن أصيل، والسماح من عادة الكرام، ومن هذه القصيدة قوله بكلام المُحب: أهلا هلا أعداد ما هبت النود بالخط واللي كاتبه باقتناعه يا مرحبا وأهلا ثمانين وأزود من هاجسٍ للقاف زاد اتساعه لا تعتذر منا ترى ما انت محدود وترى الولد ما هوب يحوج شفاعه لا جيت في هزعة.. ولاجيت منقود تنشر لك البيضا برأس الرفاعه وقبل النهاية هذه أبيات من أجمل ما وصف به الاعتذار على طريقة العشّاق، والبوح عن شعور المحبَّة اتجاه الأحباب، للشاعر سعد علوش: لا تعتذر لي ترى الأعذار مسكينه تلجأ لها الناس إذا ما فادت اخطاءها لو الخطأ فاد معك وطالت سنينه بتخلي الاعتذار.. وتخليني ويّاها لكن لله عدله في موازينه يجازي الناس على آخر سواياها والكلمه الزينه.. أو الكلمه الشينه حروف لو كان حنّا ما جمعناها ما تنحسب شينه.. وما تنحسب زينه إلا على قلب راعيها.. ومعناها الاعتذار يجعل الإنسان كبيراً في عين من أخطأ في حقه