لم يدر بخلد أحد في يوم من الأيام أن يتاجر في شيء لا يراه ولا يحسه، فالمتاجرة فيما جرت العادة تتم عن طريق البيع والشراء وقبض الثمن لبضاعة محسوسة ترى بالعين كالكثير من السلع التموينية من المأكولات أو من الأثاث أو السيارات وما شابهها، ولكن طرأ شيء جديد أرباحه سريعة ولا يكلف في بدايته رأس مال كبير ألا وهو المتاجرة في الأسهم التي يعود معرفة الناس بها إلى عام 1935م حينما تأسست أول شركة مساهمة سعودية تطرح أسهمها للاكتتاب وهي الشركة العربية للسيارات (تمت تصفيتها)، فيما تعتبر شركة الإسمنت العربية والتي طرحت أسهمها للاكتتاب عام 1954م أقدم شركة مساهمة يتم تداول أسهمها في سوق الأسهم السعودي وخلال الفترة من 1954م وحتى نهاية 1975م حيث بلغ عدد الشركات المساهمة أربع عشرة شركة برأس مال مدفوع بلغ حوالي 1655 مليون ريال، ولكن مع زيادة أسعار البترول في بداية السبعينات الميلادية ونتيجة لتوسع الاقتصاد السعودي تم طرح أربع وثلاثين شركة مساهمة في الفترة من 1975م إلى 1985م، وحتى نهاية السبعينات الميلادية كان معظم عمليات بيع وشراء الأسهم تتم بالاتصال المباشر بين البائع والمشتري، أو عن طريق عدد صغير من مكاتب الوساطة، مع زيادة الموارد المالية لدى الأفراد، وكذلك زيادة عدد الشركات المطروحة أسهمها للتداول، ازدهرت عمليات بيع وشراء الأسهم مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد مكاتب الوساطة المتخصصة في بيع وشراء الأسهم، حتى إن عددها بلغ حوالي الخمسين مكتباً في مدينة الرياض فقط، بعد ذلك توسع الناس في البيع والشراء في الأسهم المطروحة أو عن طريق الشراء المباشر من أصحاب الأسهم بعد أن يتم تسجيلها باسم مالكها الجديد في الشركة التابعة لها، وبعد ذلك تطور أمر البيع والشراء عن طريق البنوك، والتي قامت بفتح محافظ لعملاء المضاربة بالأسهم وخصصت صالات لهم لاتمام صفقات البيع والشراء خلال عمل السوق، ومع بداية الثمانينات الميلادية ارتفع حجم التداول بشكل كبير كما ارتفعت أسعار الأسهم بشكل مبالغ فيه، مما أدى إلى التفكير الجدي من قبل الدولة لوضع قوانين صارمة لتنظيم عمليات تداول الأسهم فصدر في إبريل من عام 1983م مرسوم ملكي ينص على إنشاء لجنة مكونة من مندوبين من كل من وزارة التجارة ووزارة المالية ومؤسسة النقد لوضع الأسس اللازمة بحيث يتم تداول الأسهم عن طريق البنوك التجارية فقط، وفي عام 1984م أصدرت مؤسسة النقد تعميماً للبنوك يوضح طريقة تداول الأسهم مستنداً إلى قرارات اللجنة المشكلة، وقد تم التطبيق في نفس العام، ولكن بسبب عدم قدرة البنوك للقيام بما هو مطلوب منها وكذلك طول الفترة بين إتمام عملية البيع وإنهاء إجراءات نقل الملكية انخفض حجم التداول وقيمة الأسهم بشكل كبير جداً فقد بلغ الانخفاض في أسعار بعض الأسهم حوالي 60 % من قيمتها، ولتلافي تأخير نقل الملكية وكذلك بيع وشراء السهم بأسعار مختلفة في الوقت نفسه تمت تجربة نظام جديد يتمثل في جمع ممثلين للبنوك في صالة واحدة وإتمام عمليات البيع والشراء عن طريق المزايدة، لكن هذه التجربة لم تدم أكثر من ثلاثة أسابيع بسبب العديد من المشكلات الفنية والإدارية، وبعد أن تطورت وسائل الاتصالات والتقنية الحديثة التي صاحبتها بات بإمكان كل من يريد البيع والشراء للأسهم والمضاربة فيها عن طريق الولوج إلى حسابه المصرفي ومحفظة الأسهم لديه في جهاز الحاسب الآلي الذي يملكه في أي مكان وأي وقت ويبيع ويشتري دون الحاجة إلى الحضور إلى البنك. الأسهم الأسهم هي ورقة ماليّة تُمثّل نسبة من رأس المال الخاص في شركة ما وقد تزيد أو تقلّ قيمةُ الأسهم بناءً على انتشارها في السوق الماليّ، وتُعرَّف الأسهم بأنّها المبلغ من المال الذي يُشكّل جُزءاً من ملكيّة شركة، ومن المُمكن طرحُها للشراء من قبل الجمهور، ومن التعريفات الأخرى للأسهم هي الكميّة من رأس مال شركة قائمة أو مساهمة، وتُستخدم هذه الأسهُم ضمنَ المُعاملات الماليّة التي تَعتمد على تداولها بين مجموعةٍ من الأفراد، ويعدُّ إصدار الأسهم من الوظائف الخاصّة في الشركات المُساهمة أثناء تأسيسها، ممّا يُساهم في مُساعدة المساهمين من الأفراد على المُشاركة في رأس مال التأسيس، أو في زيادة رأس مال الشركة عند الحاجة لذلك في المستقبل، وتوجد العديد من الأسباب المرتبطة بإصدار الأسهم، من أهمّها: زيادة السيولة الماليّة الخاصّة في الشركة من أجل مواجهة الأزمات الماليّة أو الخسائر، وتمويل المشروعات الجديدة بهدف تطوير الأعمال، والمشاركة في رؤوس أموال الشركات المُنافسة لأسباب استراتيجيّة أو استثماريّة، ويتمتّع أصحاب الأسهم أي المُساهمين في الشركة بمجموعة من الحقوق المَضمونة وفقاً للقانون ومنها: الحصول على نصيب من قيمة تصفية الشركة، سواء إذا تمّ حلّها أو انتهت فترة وجودها، والمُشاركة في إدارة الشركة والاجتماعات العامة والاستثنائيّة للمساهميّن، والحق في المشاركة بانتخابات مجلس الإدارة من خلال الترشّح أو التصويت، والحصول على نصيب من الأرباح المُوزّعة خلال السنة والتي تُحدّد من قِبَل الجمعيّة العامّة للمُساهمين، ويتمُّ توزيعها وفقاً لحصّة كلّ مساهم في رأس المال، كما أن لكل مساهم الحق كذلك في الاطّلاع على كافّة الوثائق والمعلومات المُهمّة من أجل مُتابعة أعمال ونشاطات الشركة. البدايات يعود تاريخ الشركات المساهمة إلى الثلاثينيات الميلادية، حيث تم تأسيس أول شركة مساهمة سعودية في عام 1934م، وهي الشركة العربية للسيارات (والتي تمت تصفيتها)، وفي عام 1954م تم تأسيس شركة الأسمنت العربية ثم تبعتها ثلاث شركات كهرباء، وتتابع بعد ذلك تأسيس العديد من الشركات المساهمة الأخرى مواكبة للاحتياجات الأولية للتنمية الاقتصادية لتلك المرحلة، ويمكن تحديد بداية ظهور سوق الأسهم في المملكة إلى نهاية السبعينيات عندما تزايد عدد الشركات المساهمة بشكل ملحوظ، حيث قامت الحكومة بعد ذلك بدمج شركات الكهرباء في شركات موحدة مما أدى إلى توزيع أسهم إضافية دون مقابل على المساهمين، بالإضافة إلى قيامها بسعودة البنوك الأجنبية العاملة في المملكة وطرح أسهمها للاكتتاب العام، وقد ساهمت هذه العوامل في زيادة عدد الأسهم المتاحة للتداول بين المستثمرين، ومن ثم نشأت الحاجة إلى التداول في الأسهم، وبالتالي نشأ سوق غير رسمي لدى مكاتب غير مرخصة قامت بممارسة نشاط الوساطة في بيع وشراء الأسهم، فقد كانت التعاملات في الأسهم بيعاً وشراء محدودة لقلة الشركات المساهمة وهذه التعاملات لا تخضع لأي رقابة أو إشراف حكومي وكان البيع والشراء يتم عن طريق العرض والطلب بين البائع والمشتري واتفاقهم على السعر مباشرة أو بواسطة مكاتب العقار إما نقل ملكية الأسهم فتتم عن طريق إدارة شؤون المساهمين في الشركة أو كتابة مبايعه تصدق من أحد البنوك أو الغرفة التجارية، ونظراً لعدم وجود الأسس السليمة التي تتعامل بها تلك المكاتب فقد استمر التداول في إطار محدود إلى بداية الثمانينات حيث أدى تحسن أسعار النفط في ذلك الوقت إلى تحرك سوق الأسهم إلى الأفضل، مما أدى بدوره إلى زيادة حجم التداول وارتفاع أسعار السوق، وخلال عام 1985م أوكلت الدولة موضوع تداول الأسهم إلى مؤسسة النقد العربي السعودي وتم إيقاف التداول عن طريق المكاتب غير المرخصة لتدول الأسهم، وأصبحت المؤسسة تقوم بدور الإشراف والرقابة لحماية سوق الأسهم من الآثار العكسية لفرط التوقعات بالإضافة إلى القيام بتطويرها لتصبح سوقاً مالية ناضجة، وعلاوة على ذلك فإن الدولة ترغب في أن تطور سوق الأسهم بطريقة تساهم في التنمية والتطوير القومي وتكون منسجمة مع سياستها الرامية إلى مشاركة أكبر من القطاع الخاص، ولقد تم إدراج سوق الأسهم السعودي ضمن مؤشر الأسواق الناشئة تحت إشراف مؤسسة التمويل الدولية، وتعتبر هذه الخطوة اعترافاً بأهمية سوق الأسهم السعودية ومكانتها، لا سيما أن هذه السوق احتلت مركزاً متقدماً ضمن قائمة هذه الأسواق الناشئة المدرجة في قاعدة بيانات المؤسسة من خلال عدة مؤشرات أهمها القيمة السوقية، والمتوسط اليومي لقيمة الأسهم المتداولة، إضافة إلى مؤشر نسبة السعر إلى الربح السنوي، وفي 17/1/1403ه الموافق 23 نوفمبر 1984م صدر الأمر السامي بإنشاء الشركة السعودية لتسجيل الأسهم من قبل البنوك المحلية والتي تشرف عليها مؤسسة النقد العربي السعودي، حيث تتولى هذه الشركة حالياً إدارة سجلات مساهمي معظم الشركات المساهمة، إضافة إلى قيامها بكافة العمليات المساندة للتسويات ونقل وتسجيل الملكية للمعاملات التي يتم تنفيذها بالنظام الآلي، فكان ذلك بمثابة بدء مرحلة جديدة نحو وضع تنظيم محدد لعملية تداول الأسهم ومركزيتها إليكترونياً. المضاربة شهد سوق الأسهم إقبالاً كبيراً من قبل المضاربين في الأسهم وذلك لما حققوه من مكاسب مالية وعائدات كبيرة في فترة وجيزة، مما جعل البعض منهم يكرس جل وقته في متابعة صعود وهبوط الأسهم يومياً والبيع والشراء بحيث يشتري الأسهم ذات القيمة المنخفضة ومن ثم يقوم ببيعها بعد أن ترتفع وهكذا، بل إن الكثيرين باتوا يتابعون تحليلات المختصين في سوق الأسهم ويأخذون بمشورتهم في عمليات البيع والشراء والتي حققت الثراء لكثيرين في وقت قياسي دون أدنى مجهود أو تعب، وزاد اندفاع أكثر الناس مما جعلهم يقترضون المال من البنوك من أجل المضاربة في سوق الأسهم لنيل الثراء السريع بل وتعدى الأمر ذلك إلى بيع بعضهم منزله والسكن في منزل بالإيجار من أجل أن يستفيد من مبلغه في المضاربة وهو يحدوه حلم الثراء السريع ليعوض نفسه بمنزل أكبر وأغلى وأجمل، أما من كان اندفاعه بغير حدود فقد قرر أن يتخلى عن وظيفته إما بالتقاعد المبكر أو التصفية بعد أن رأى أنه يجني في أيام معدودة ما يتقاضاه خلال شهر أو أشهر من وظيفته. انهيار السوق في خضم اندفاع الكثير من الناس بل الغالبية العظمى منهم في المضاربة بالأسهم بعد أن شاهدوا المبالغ الخيالية التي يجنونها من تلك المضاربات فقد أدلوا بكل ما لديهم من أموال في هذه السوق مخالفين بذلك أقوال الحكماء قديماً بعدم صرف المال كله في تجارة واحدة والاحتفاظ بجزء منه للأزمات والحاجات فقد كانوا يمنون أنفسهم بالبيع بعد أن يبلغ السوق مداه ولكن في ظل الارتفاع المطرد الذي كان يشهده السوق فقد زادت أطماع هؤلاء المستثمرين ولم يقتنعوا بما حققوه من مبالغ بلغت مئات الأضعاف وفي يوم كارثي أسود بالنسبة لهم فقد شهد سوق الأسهم انهياراً ذريعاً فبعد أن وصل السوق إلى أعلى مستوياته في يوم 25 فبراير 2006 م حين كان مجموع النقاط (20٫966٫58) وذلك على أثر إقبال شديد على شراء الأسهم ودخول السوق من قبل جميع طبقات المجتمع ووصول أسعار الشركات ال 77 المدرجة آنذاك لمستويات سعرية عالية، وكان المعدل اليومي للتداول في الأسابيع الأخيرة من الطفرة نحو 40 مليار ريال يومياً، حدث الانهيار الكبير لسوق الأسهم الذي راح ضحيته كثير من المستثمرين وفقدت الشركات المدرجة قيمتها بصورة كارثية تهاوت معها السيولة من مستوى أكثر من 47 مليار ريال وبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية نحو 2 تريليون ريال، مما أفقد المستثمرين فيه أرباحهم بل وحتى رؤوس أموالهم، وواصل السوق انهياره حتى وصل إلى أدنى مستوى له في مارس 2009 م حيث سجل (4068) نقطة. تداول شخصي مرت مراحل تداول الأسهم بالعديد من المحطات فبعد أن كان من يريد المضاربة في سوق الأسهم فيما مضى يسعى للحصول بنفسه إلى أسهم الشركات من الغير بواسطة مكاتب الوساطة المتخصصة في بيع وشراء الأسهم فقد تطور الأمر إلى البيع والشراء عن طريق البنوك، والتي قامت بفتح محافظ لعملاء المضاربة بالأسهم وخصصت صالات لهم لاتمام صفقات البيع والشراء خلال عمل السوق، وبعد أن تطورت التقنية ووسائل الاتصال الحديث فقد بات تداول الأسهم يتم عن طريق الحاسب الآلي الشخصي حيث يستطيع كل مضارب أن يدير محفظته من جهازه في أي مكان أثناء عمل السوق فيشتري ويبيع في أي سهم يريد دون الحاجة إلى مراجعة البنك وأخذ موافقته، كما بات الكثير من المضاربين أكثر وعياً وحذراً في المضاربة في الأسهم بعد أن لقنتهم التجارب والانهيارات السابقة درساً في التعامل مع الأسهم بحذر ودون اندفاع. لم يدر بخلد أحد في يوم من الأيام أن يتاجر في شيء لا يراه ولا يحسه انهيار الأسهم عام 2006 صدمة رفعت وعي المضاربين التقنية سهلت على المضاربين متابعة سوق الأسهم في أي مكان حلم الثراء السريع وراء اتجاه الكثيرين للمضاربة في سوق الأسهم بكل ما يملكون بات تداول الأسهم أكثر دقة من قبل بعد التنظيمات الجديدة للسوق المالي البيع والشراء قديماً دون أنظمة يحفظ كافة حقوق الأطراف