الخصومة مع غيرنا من الناس، خصلة فطرية في طبع البشر، نتخاصم مع بعضنا البعض، وفي كثير من الأحيان نصل لحد التلاسن، وعلى إثر ذلك نتعرض لردة فعل تسبب لنا مشاعر مختلطة بين الألم والغضب، ثم في الغالب وبعد فترة من الوقت نعفو ونصفح عمن يخطئون بحقنا، ونبحث لهم عن أعذار ربما أكثرها غير مبرر، ولكن من باب (جد لأخيك سبعة وسبعين عذراً). ومع مرور الوقت ننسى الإساءة ونتجاهلها ونمتثل لقوله تعالى: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا"، فالعفو والصفح من الخصال الجميلة التي تعزز التواصل الاجتماعي والأسري ولكن الأجمل لو أننا نمنح هذه الخصلة لذواتنا. ولكن ما حاجة ذواتنا لذلك؟ هل يمكن أن نؤذي ذواتنا بأيدينا؟ وما موقف البعض تجاه ذاته؟ يتبدل بنا الحال حينما نحاسب أنفسنا على زلات بدرت منا أو شعور بالتقصير سواء كان ذلك التقصير تجاه الأسرة أو العمل أو المجتمع، أو إخفاق في الوصول إلى الأهداف التي نسعى إليها، فعندها لا عفو، ولا مغفرة بل قسوة وشدة نمارسها على ذواتنا، فنضع أنفسنا تحت عذابات مستمرة لا طائل منها إلا الحسرة، ناسين أو متناسين أننا بشر نخطئ ونصيب، وقد أودع الله فينا جوانب قوة وجوانب ضعف، تندرج هذه المحاسبة القاسية تحت مسمى (جلد الذات) وهو مصطلح في علم النفس يشير إلى معنيين: الأول (جسدي) يقصد به إلحاق الضرر بالجسد بشكل مقصود وبإرادة كاملة بغرض اللذة والتمتع بمعاقبة النفس.. والثاني (معنوي) يقصد به لوم الإنسان لنفسه، أو حرمانها بسبب ارتكاب سلوكيات خاطئة.. وهذا النوع هو ما نتحدث عنه في هذا المجال. ويعد جلد الذات من أخطر (الحالات النفسية) التي يعاني منها الإنسان، حيث تدفع به إلى أن يضخم أخطاءه، ويتلذذ بالحديث عنها، ويفرح لجرح نفسه؛ ليشعر بمزيد من الألم، لعل هذا الألم يكون مسكناً شافياً وعقوبة مناسبة تجاه ما حصل منه من تقصير، كما يعتقد. ويتجلى في (جلد الذات) أعلى نسبة للسلبية المتنامية، جراء الإحباطات الناتجة عن الهزائم النفسية، والنجاح الضعيف الباهت، ومنها للوصول إلى حالة إقناع الإنسان نفسه بأن لا جدوى من وجوده في الحياة، وأن كل من حوله هم أشخاص جيدون ما عداه، ويعيش الجلاد دائماً بعقدة التقليل من الذات والقلق والتوتر. رغم هذا كله علينا التوقف للتفكير في إصلاح الخلل، فأي علاج شافٍ يمكن أن يقينا من جلد ذواتنا؟ (عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ) إنه توجيه النبي صلى الله عليه وسلم فهو العلاج الناجح في خصومتنا مع ذواتنا. ويتمثل ذلك الرفق بأن نتعامل معها كما نتعامل مع حبيب أخطأ، أو قصر، ولنتدرب على نقد ذواتنا نقداً بناءً يستثمر لصالحها ولدعمها، وينمي الروح الإيجابية لديها، ونفتش عن المواقف الجيدة في مسيرتنا، ونتلمس الإيجابيات وجوانب القوة لتعزيزها كي تحقق لنا الرضا، ومعالجة جوانب الضعف برفق ولين وأن نتعلم من أخطائنا، لنتمكن من الوصول لأهدافنا من خلال نظرة موضوعية متزنة للأمور.. فإن من أشد أنواع العذاب وأكثرها تدميراً باعتقادي مرارة الخصومة مع الذات.