مشروع "نيوم" الحلم يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة للمملكة على أكثر من صعيد؛ ففي الجانب الاقتصادي ستكون التكنولوجيا بديلاً عن النفط في القرن الواحد والعشرين، وسياسياً ستكون المصالح بين الشركات العملاقة العالمية محرّكاً للعلاقات بين الدول ومؤثراً في قراراتها وتوجهاتها، وثقافياً لن يكون هناك حديث عن التطرّف بعد أن طويت صفحته إلى الأبد، واجتماعياً سيبقى الشعب مشاركاً في التنمية وحارساً لها وأكثر من يعوّل عليه في مرحلة التغيير والانفتاح، وإعلامياً سيتحدث رجع الصدى بلغات العالم عن سعودية جديدة حالمة مؤثرة وصانعة قرار دولي. "نيوم" يعيدنا إلى قصة البدايات الأولى لأرامكو، حينما كانت الدولة تبحث عن مورد، وبدأت رحلة التنقيب عن النفط وإنتاجه وتصديره في واحدة من أهم التحولات التي عاشتها المملكة، وحققت معها تنمية ورفاهاً، واليوم نعيد السيناريو على أساس من تنويع مصادر الدخل الذي تعتمد عليه الدولة مستقبلاً، وتقدم "نيوم" مشروعاً تكنولوجياً رافداً للنفط، وربما يكون بديلاً عنه يوماً ما؛ بفعل التطور الذي ستكون عليه البشرية بعد عدة عقود. قراءة المستقبل في هذا التوقيت المبكر لم يكن أن يتحقق من دون رؤية، وانفتاح على العصر بكل مكوناته، وصياغة الداخل لملائمة طبيعة المرحلة وما يليها، وإعادة الإنسان إلى طبيعته البشرية ليتمسك بالحياة ولا يزهد فيها، ولا يضيع أيضاً الفرص المتاحة أمامه. الدولة التي تسبق شعبها برؤيتها ومشروعاتها حتماً تأخذه معها إلى حيث تريد، وتسابق الزمن للوصول معاً إلى ما نريد، وتنقل الأحلام إلى الواقع في رحلة ممتدة من التحديات والتطورات لتصل بنا إلى كل ما نريد. مهمة "نيوم" الجديدة بكل تفاصيلها، وقطاعاتها، وشراكاتها، وتمويلها ليست سوى بداية لأحلام أخرى سوف تأخذ طريقها للمستقبل، وأمامنا مشوار طويل لكنه متاح بفعل الإرادة السياسية، والعزيمة الشعبية؛ لتكون صحراء الجزيرة ملهمة للعالم، ومقصداً لرؤوس الأموال التي تبحث عن الأمن والاستقرار، والثقة أيضاً في التعامل، والجذب مع بيئة استثمارية مهيئة للنجاح. مهمة "نيوم" الأخرى انحيازه الكامل لجيل التقنية، وما يتركه من أثر تجاه الإبداع، والاختراع؛ فالفارق الزمني لن يكون له وجود إلاّ بالإنتاج، وصناعة البديل، وما نقدمه للبشرية من ممكّنات حضور غير تقليدية، وحلول ذكية للعيش مع عالم جديد من الروبوتات وبدائل الطاقة والنقل، والتواصل مع شبكات افتراضية مذهلة في سرعتها ومحتواها وأنظمتها. الأمير محمد بن سلمان يقفز بنا إلى العالم الجديد برؤية غير مسبوقة لعصرنا، ويمنحنا فرصة الحلم معه، والاصطفاف حوله؛ لنمضي إلى مستقبل أفضل مختلف؛ ليبقى النفط من الماضي، ونعيش مع التكنولوجيا مورداً جديداً، وأسلوب حياة نتسابق فيها لتقديم الأفضل، ونحتكم إليها في تصنيف حضورنا المتقدم بين الأمم.