أحياناً تجد نفسك لا إرادياً تقول لأحدهم: لا تكذب على نفسك.. وتتكرر هذه العبارة يومياً بين الناس صغاراً وكباراً.. حتى إنني أمس سمعتها من طفلة لا تتجاوز 8 سنوات من عمرها اختلفت مع أختها الأكبر منها بسنتين ولا أعرف لماذا؟ لكنني التقطت عبارة.. لماذا تكذبين على نفسك؟ لم أتابع خلافهما المعتاد كأخوات لكن لفتتني العبارة.. الممتدة جذورها من الصغار إلى الكبار وعلى امتداد كل الأزمنة.. لماذا يكذب الإنسان على نفسه ويغالط الحقيقة التي يعرفها هو أكثر من غيره.. بصرف النظر عن نوعية هذه الحقيقة مهمة أو تافهة لكنها في المحصلة هي الحقيقة التي يجب أن تتعامل معها بواقعية وتبني عليها ما ستفعله أو تقوله.. يقول باولو كويلو "إذا أردت أن تكون ناجحاً.. عليك أن تحترم قاعدة واحدة.. لا تكذب على نفسك.." إذن ليس الكذب على النفس فقط هو طريق الفشل ولكنه مغالطة ينبغي ألا تقع في مطباتها وتعجز عن مغادرتها.. فالنجاح هنا مرتبط بمدى مصداقيتك مع نفسك أولاً.. ومن غير المنطق أن تنجح دون مواجهة مع النفس وطرح كل الأكاذيب جانباً.. ومسح تلك الذاكرة التي اعتدت أن تخبئ فيها كذبك وتعاود إنتاجه لنفسك متى أردت ذلك.. وبالتالي هذا الإغراق في الإنتاج ومن ثم المونتاج وغربلة الكذب كما يفعل البعض يدفعك لطريق مختلف ومتعرج ستظل فيه طويلاً ولن تغادره.. مشكلة من يكذبون على أنفسهم أن لا يتجنبوا الماضي المقروء للآخرين.. بل يعودوا إليه دوماً وكأنه حلقة متصلة بهم.. هذا الماضي هو تفاصيل كاذبة يعيدون تصديرها مرة أخرى للآخرين ولكن بعد أن يصدقوها هم أولاً وإلا لا مجال لتصديق الكذب إذا لم يصدّقه مؤلفه أولاً.. ولذلك تجد البعض يتوتر ويغضب ويثور عندما يجد أحدهم يكذب عليه وهو يعرف الحقيقة ولكن الكذاب يتجاهلها متعمداً.. لأنه جزء مهم من تفاصيل هذه الكذبة.. بمعنى أنه يكذب ويصدق كذبته.. وبالتالي تجد نفسك مغفلاً أمامه أو أنه هو من يحاول أن يجعلك مغفلاً وتافهاً وقد تضطر أن تقول له.. هل تصدق أنت ما تقوله هذا؟ حاول أن تكذب أفضل من ذلك وأن تصيغ كذبة بشكل أكثر إقناعاً.. لأنك إن نجحت في الكذب على نفسك فلن تنجح في الكذب عليّ.. من يكذب ويصدق نفسه عادة يحاول الهروب من نفسه وتصدير أزماته للآخرين.. يكذب لأنه سقط ولذلك يحاول أن ينهض من جديد بعد أن صاغ الكذبة وصدقها لأن تصديقه لها أول الطريق لتصديرها للآخرين.. وفي نفس الوقت هي بيت الوهم الذي ارتأى أن يعيش داخله ويعتقد أن الآخرين يرونه حقيقياً.. بالرغم من أنه بيت الوهم.. والفراغ والحقيقة الغائبة.. يكذب الكذبة ويصدقها.. هو من اخترعها وهو من خلق روحها وسافر بها ليقنع الآخر بوجودها.. كم من هؤلاء المرضى نلتقي دائماً؟ كم شخصاً من هؤلاء كما يقول العامة "يدخل في عينك وهو يكذب" كثيرون وأعدادهم لا تحصى.. كذاب وقوي عين.. قوة العين هذه يستمدها من تمازجه مع نفسه وانسجامه مع داخله وتصديقه للكذبة التي اخترعها؟ كم من البشر عليك أن تغض الطرف عنهم وتتجاهل كذبهم كل يوم؟ كم حقيقة تراها بعينك ويأتي أحدهم ويكذبك؟ كم مرة في الأسبوع أو الشهر ستقول لأحدهم تكذب وتصدق كذبتك؟ وأحياناً لا تقولها تأدباً أو عدم رغبة أو تجاهلاً؟ الغريب أنك تعرف الحقيقة أحياناً وتستمتع للكذب ولا تتحدث أو تعترض.. لماذا؟ الإجابة تختلف من شخص لآخر خاصة عندما لا تريد أن تصطدم بأحدهم أو تخسره..