قبل عدة سنوات كتبت مقالاً عن الوصاية وخاصة عن المرأة والتي أفقدتها الكثير من استقلاليتها، بل وشيء من إنسانيتها، بعد كتابة المقال سألت طالباتي في الجامعة عن ثقافة الوصاية التي تعيشها المرأة وما رأيهن فيها، أجابت إحداهن أنها تريحها وتحميها وترمي الثقل على غيرها، أخرى ردت أنها تفقدني كياني وإحساسي بقيمتي وإنسانيتي؟ بين تلك الإجابتين نلمس مدى خطورة وصاية الإنسان على الإنسان، حيث تختطف منه أهم ما لديه، وقوة تميزه عن بقية المخلوقات الحية وهي إدارة حياته بعقله لا بعقل غيره والحفاظ على كرامته وإنسانيته وأهليته وفق منظور شرعي وقانوني وإنساني. الوصاية على الإنسان عموماً سواء رجلا أو امرأة تحوله من كائن متدبر إلى مخلوق تابع لغيره، ومع الوقت نجده لا يملك حق تقرير مصيره في أي شيء، بل نجده خاوياً لا يمارس أي عملية عقلية فيها ابتكار وخروج عن السائد ورفض البائد من عادات وتقاليد لا تتفق مع روح الدين ومتطلبات المعاصرة. ممارسة الوصاية لا تقف عند حد معين بل إنها تتمدد في تداخل مع مفاصل حياتنا، فمن وصاية على استخدام الجوال في بعض الجامعات إلى وصاية فيما نلبس وفيما نقول وفي اختيار الكتاب وفي اختيار التخصص وفي اختيار أسماء الأبناء وفي اختيار موقع السكن وفي اختيار كيفية طرح أفكارنا، أما أطرافها فتلك الآراء التي تهاجمك وأنت تعيد لهم موقفاً دار بينك وبين آخر حيث يقاطعونك بين جملة وأخرى، لو أنك فعلت كذا وقلت كذا، نسوا أنك تسرد موقفاً انتهى ومن لديه ملاحظات يمكن أن يقولها بعد نهاية القصة فربما تأثر الراوي بما جاءه من آراء فدمجها لا شعورياً في متن الموقف وادعى عملها أو قولها فيفقد الراوي الحياد دون علمه وربما دون رغبته ولكن لإرضاء رغبة الوصي، ناهيك عن أنها لن تغير من الأمر شيئاً والدليل أن اللبن المسكوب لا يعود للكأس مهما بلغت المحاولات. ثقافة الوصاية ترتبط في كثير من جذورها على واقع اجتماعي وثقافي اعتاد تهميش بعض الكيانات الإنسانية وخاصة المرأة والشاب الصغير، من منطلق الاستضعاف وعدم الثقة في ظاهر الأمر فيما هي تأكيد سلطة الطرف الآخر حيث تكرس لثقافة خاطئة بقصور ذهني أو قدرة على تحمل المسؤولية وتأكيد الدونية وتزداد خطورتها مع استخدام ذراع التخويف الديني أو الأمني دون مرتكز شرعي أو نظامي فيتحول الإنسان من طاقة إيجابية إلى طاقة سلبية منزوعة الإرادة فتسود النمطية والتشابه إلى حد تختفي معه مكاسب الاختلاف والتباين في القدرات التي من شأنها بناء منظومة من الحراك الاجتماعي والثقافي في المجتمع. الوصاية لها بعد اجتماعي وثقافي واقتصادي، فوصاية الولي على المرأة تجعله يمنع زواجها لبعد اجتماعي أو لبعد اقتصادي، ووصاية الآخرين تجعلهم شركاء فيما تقول وفي تفسير نواياك، وأخطرها وصاية بعض المؤسسات الحكومية على المرأة فتجدها تقنن استخدامها للهاتف ولا تعطيها حق استخراج جوازها بنفسها، ولا تسمح لها بالسفر إلا بموافقة ولي أمرها وتستمر قافلة الوصاية إلى أن تصل لأي قدم تتحرك أولاً.