كل تقنية وجدت ستبقى وتنتشر وتعم العالم بفوائدها حتى تحل تقنية أخرى تتجاوزها. لا نعرف أن تقنية غلبت مساوئها على محاسنها ولا حتى اقتربا من التساوي. حتى التقنية الذرية انحصرت مساوئها في السلاح المدمر. أصبح جانبها المدمر تحت السيطرة بنسبة عالية وعم خيرها الجميع. فرق كبير بين ان تستقبل الشيء بالترحيب أو بالتشكيك. التشكيك يزرع العداوة والحذر ويصنع مسافة يصعب تخطيها. يقلل الاتقان والاستخدام الإبداعي لهذا الجديد. السوشل ميديا اليوم قوة عظيمة تجتاح العالم. يشارك فيها الكبار والصغار. النساء والرجال وبين يدي كل الطبقات. عالم مليء بالاحتمالات اللانهائية. يمكن أن تقفز بالفقير إلى الثراء وبالخامل إلى الشهرة والمجد أو أي شيء آخر لا يعلمه إلا الله. شكلت هذه الظاهرة الإنسانية التقنية توجها جديدا ستسير فيه البشرية. لا يمكن أن يكون الإنسان بعدها هو الإنسان الذي عاش قبلها. ما نراه اليوم من مساوئ ربما نكتشف أنها محاسن صورها لنا جهلنا أو ايدلوجيتنا انها مساوئ. من هو الإنسان الذي سوف يتخلق بعد ثلاثين سنة. هذا الإنسان لن يكون نحن بالتأكيد. الإنسان الذي هو (أنا وانت) مصنوع. يبرمج ويصاغ ويعد ليكون كما تريده القوى التي يقع تحت سيطرتها. يعيش تحت نطاق إعلامي موجه. التمرد على هذه القوة مستحيل. لم يكن محكوما بالحديد والنار ولكنه كان محكوما بالبرمجة حتى في الدول التي تتمتع بحرية الرأي والديموقراطية. عدد بسيط من القنوات ومثله من الصحف والجامعات تحكم أمريكا. رغم سعة مساحة الحرية يبقى الشعب الأميركي تحت السيطرة أسوة بكل شعوب عالمنا اليوم. السوشل ميديا اختراق للمنظومة الإنسانية القديمة باسرها. الجميع في الرياض أو في بومباي أو في ساحل العاج عرضه للاستماع للأشياء التي حرموا منها. سيسمع الشيء ونقضيه. هذا النقيض لا يعني وجهة النظر الأخرى المعادية. في القرن الماضي مثلا كان العالم يحكمه توجهان: الرأسمالي والاشتراكي. الانعتاق من هذا يعني الارتماء في حضن الآخر. تنتقل من هذا الرق السياسي الثقافي إلى الرق السياسي الثقافي الآخر. كأنك تنتقل من زنزانة إلى أخرى تصورها أوهامك حرية. ليس هذا ما ستأخذنا إليه السوشل ميديا. ستأخذنا إلى فشل الأيدولوجيات الشاملة. أربعة أشياء خطيرة تطرحها السوشل ميديا تهدد الوجود القديم بأسره. حرية التفكير والوصول للمعلومة وحق التعبير واتساع الأفق.