سنوات من الفوضى الإدارية والعبث المالي عاشها نادي الاتحاد ما تسبب في دخوله إلى نفق مظلم جراء تغيير الإدارات وتراكم الديون اللذين أديا إلى وقوفه على حافة الإفلاس، بل لو طبقت في حقه القوانين المالية الصحيحة لكان اليوم في قعر الإفلاس، لكن في ظل غيابها ظل يتعثر في خطاه فلا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة أخرى. جملة من الحلول التي سعت لها الإدارات المتعاقبة في هيئة الرياضة لتصحيح مسار النادي؛ لكن كل تلك المحاولات بدلاً من معالجة أوضاعه كانت تزيدها تعقيداً، إذ ظلت تأتي لجنة تحقيق وتذهب لجنة، وتجيء إدارة وتغادر أخرى، فيما عداد الديون يتسارع في التصاعد من دون مسوغ مقنع، ما جعل الجميع يتيقن أن وراء الأكمة ما وراءها. لم يكن الأمر سراً، فأصوات الشكاوى الاتحادية كانت مسموعة، والاتهامات بوجود عبث مالي في مكان ما تملأ أدراج هيئة الرياضة، ويضج لها الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ خصوصاً مع انبعاث روائح نتنة جعلت البعض يخمن بأنها روائح لفساد مالي، لكن أحداً لم يستطع أن يضع يده على مصدر انبعاث تلك الروائح، فظلت تنتشر حتى أزكمت الأنوف، لاسيما مع تزايد القضايا الدولية والمحلية وبأرقام خطيرة. ذات يوم وصف عضو شرف نادي الاتحاد والخبير المالي منير رفه والذي يقبض على مستندات مهمة تخص الأمور المالية في ناديه ما يحدث بأنه سفه وهدر مالي واضح، مستشهداً بدفع مبلغ أربعة ملايين ريال للاعب لم يشارك سوى في مباراة واحدة، عدا عن الأرقام الفلكية التي دفعت للاعبين ومدربين أكبر بكثير من قيمتهم السوقية، أو عبر تحرير عقود ضعيفة قانونياً حملّت النادي أعباء مالية ثقيلة وأدخلته في قضايا مرهقة، عدا عن أرقام بعشرات الملايين التي ذهبت لجيوب السماسرة بطريقة تبعث على الريبة. ذلك الواقع كان بحاجة إلى قرار حازم ونافذ لإغلاق حنفية الهدر المالي المفتوحة، ومحاسبة كل المتسببين أكان بسبب تقصير وتجاوز إداري، أو لوجود فساد موصوف، وقد جاءت ساعة الحقيقة بعد كل تلك السنوات من خلال القرار الحازم والتاريخي لرئيس مجلس إدارة هيئة الرياضة تركي آل الشيخ القاضي بإحالة ملف نادي الاتحاد بما فيه من معلومات وبيانات عن التجاوزات والمخالفات وتبديد المال العام في ميزانية النادي خلال السنوات الماضية إلى هيئة الرقابة والتحقيق رغبة في تحديد المسؤولية ومساءلة المتجاوزين. ذلك القرار كان مطلوباً منذ سنوات، ولو حدث في وقته لما دخل الاتحاد في هذا النفق، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، وهو ما يجعلنا متفائلين بإغلاق حنفية الديون، وإصلاحها بمعاقبة المتسببين فيها، ليعود الاتحاد كما كان، وعلى كل من له علاقة أن يتحسس رأسه حتى تحين ساعة الحقيقة الغائبة.