الوعي السياسي يبدأ بالمعرفة وينتهي بالمشاركة، وكل واحد منهما انعكاس للآخر في فهم الواقع وتقدير مصالحه، وتنوير العقل واستيعاب متغيراته، وترجيح القيم الوطنية عند تعدد بدائل القرار وتداعياته. نحن في المملكة أعمق من تلك المفاهيم للوعي؛ لأننا نحمل مشروعاً وحدوياً ناضل من أجله الملك عبدالعزيز ورجاله في لم شتات الأرض والإنسان، ولا يوجد لدينا تفكير فضلاً عن استعداد للتفريط بمنجز الوحدة؛ مهما كانت المغريات، والدعوات، والمؤمرات. حراك15سبتمبر انتهى إلى فشل متوقع، ومحسوم، ولكنه ترك فينا إحساساً متجدداً تجاه الوطن وقيادته، ومنحنا فرصة التعبير عن داخلنا الأخضر الجميل، وزادنا إيماناً أن الشعب واعٍ ولا يمكن تحريك قناعاته الراسخة نحو أمنه واستقراره، أو تمرير مشروعات الفوضى عليه تحت غطاء الإصلاح أو النهضة، أو تثوير عواطفه باسم الدين أو التصنيف، أو تسييس خدماته. كل من دعا إلى ذلك الحراك وقبله لم يقرأ عمق المجتمع السعودي في هويته، وقيمه، ووحدته، ولم يدرك أن التغيير لا ينالهم في شيء، بل على العكس مع تعدد قنوات الاتصال ومحركات البحث عن المعرفة؛ زادت المشاركة السياسية بالحفاظ على الوطن، وقطع الطريق على المتربصين به. متلازمة المعرفة والمشاركة في الوعي السياسي السعودي نابعة من مصير الوجود المشترك بين أبنائه، ومشتركات التعبير عن الواقع بكثير من التفاؤل، وتحمل المسؤولية، والخروج إلى المستقبل في مهمة نهوض كبرى نحو الأمام المتحضّر. المتآمرون على الوطن وجدوا أدوات رخيصة مأجورة تدور في فلك التأزيم للمواطن في خدماته ومعيشته، ورفعوا شعارات البطالة والإسكان وحقوق الإنسان وحرية التعبير؛ لتمرير مشروعهم في النيل من جبهة مواطنيه، وتأزيمهم، والهدف أكبر من كل ذلك، ولم يتحقق؛ لأن أولويات الشعب في أمنه ووحدته أكبر من تلك المطالب التي تسعى الحكومة ولا تزال في تنفيذها، وابتلاعها في رؤية وطنية طموحة. حملات التسييس للخدمات في السعودية مستفزة، ومثيرة، وكأننا الشعب الوحيد الذي يعاني أزمة بطالة أو إسكان، بينما مؤشرات الواقع أقل بكثير من دول أخرى، ومتقدمة، ولكن تلك الحملات هدفها النيل من جبهة المواطنة والنفاذ إليها، وتحريك مواقفها، وعواطفها أيضاً؛ لمكاسب قوى مضادة تريد أن يكون لها مشروعية الحضور في توقيت مستحيل للخضوع والمزايدة. السعودية بقيادتها وشعبها رقم صعب في التغيير لما هو أسوأ؛ لأننا تعاهدنا أن نبقى صفاً واحداً، ونمضي معاً لمستقبل أفضل، ونعيش سوياً في مصير مشترك.. رغم أنف كل حاسد.