صدر كتاب «نحو خطاب اسلامى مدنى « عن مركز القدس للدراسات السياسية وفى مقدمة الكتاب أشير الى انه محاولة رائدة ومبادرة لاستطلاع رؤى مثقفين مستقلين ونشطاء من ذوي الخبرة وممثلين لأحزاب وتيارات إسلامية مختلفة من 21 دولة عربية وإسلامية. وقد أدى هذا التنوع الجغرافي والفكري والسياسي إلى إثراء النقاش وتعميق الرؤى، والتوصل إلى قناعات مشتركة بصدد العديد من المحاور هي مجمل ما جاء بالكتاب . وأشارت المقدمة الى ان العمل يتزامن مع تصاعد الدعوة إلى الإصلاح وأصبحت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان مطلبين ملحين لجميع التيارات السياسية على اختلاف منطلقاتها وتوجهاتها الفكرية والإيديولوجية. وازدادت الحاجة إلى البحث عن أرضية مشتركة، ومصالحة بين الجميع لضمان تحقيق تحولات ديمقراطية، سلمية في آليتها، وبناءة في مضامينها، ومستقلة في دوافعها وأهدافها ومرتكزاتها. علاوة على ما تشهده الساحة العربية والإسلامية من جدل يحتدم من حين لآخر حول قضايا هامة لا تزال معلقة تنتظر الحل. لكن غالبا ما تطغى العاطفة، وتغرق الأصوات في جزئيات، أو يقع الانجراف وراء شعارات تلملم الخلافات وتسطح المفاهيم بهدف التوصل إلى وفاقات وهمية ومرتجلة، أو في المقابل تتباعد المواقف، وتختلف السبل، وتمارس الأطراف الإقصاء المتبادل. الخطاب المدني يتضمن الكتاب عدة فصول جاء الفصل الاول منها تحت عنوان : لماذا خطاب إسلامي ديمقراطي مدني؟ وحول هذا السؤال يرى الكتاب أن الخطاب الإسلامي الديمقراطي المدني وضرورته يبقى مشروعا، إذ لا زالت بعض الأدبيات الإسلامية وبعض التعبيرات الحركية تتعامل بشكل مختلف مع المسألة الديمقراطية، وإذا كانت كثير من الحركات الإسلامية قد حسمت الموقف في اتجاه التبني لهذه المسألة، فقد بات من باب الأولى توضيح الدوافع التي تجعل من الخطاب الديمقراطي المدني الإسلامي قضية استراتيجية في وطننا العربي والإسلامي، وإن الحاجة لمثل هذا الخطاب، تندرج في إطار بناء ثقافة سياسية جديدة يتفق عليها مختلف الفاعلون السياسيون من أجل القطع مع القتامة وجو الاحتقان السياسي الذي يميز الفضاء السياسي في بعض أوطاننا العربية والإسلامية. نبذ العنف وجاء الفصل الثانى تحت عنوان : المطلوب من الحركات الإسلامية، وأورد فيه الكاتب أن التيارات الإسلامية في سياق حراكها الاجتماعي قد قامت بعدة مراجعات فكرية، وأنتجت جملة من الأدبيات التجديدية على عدة مستويات، سواء تعلق الأمر بقضايا الديمقراطية أو التعددية السياسية أو حقوق الأقليات أو قضية المرأة. لكن الظروف السياسية والاجتماعية التي ترشح هذه الحركات للقيام بدور قيادي في أكثر من بلد عربي وإسلامي، تدعوها إلى المبادرة لصياغة خطابها الوطني، وتحديد بدائلها بكل وضوح، وأن تتجنب الضبابية في الفكر والازدواجية في الخطاب. وأن يكون منطلقها الواقع المعاصر بكل تعقيداته ومتغيراته، وأن تستكمل نظرتها التجديدية لقضايا المرأة، تمكينا ومشاركة، ولمفهوم المواطنة، مصدر الحقوق والواجبات للفرد والأقليات، وأن تعلن بأنها لا تحتكر الدين أو النطق باسمه، وأنها لا ترى في مخالفيها خصوما عقيديين فاقدي الأهلية والشرعية، بل ينبغي أن تتعامل معهم كشركاء في الوطن والمصير. كما أن الحركات الإسلامية ذات التوجه الإصلاحي والديمقراطي، مطالبة أيضا بتعزيز جهودها فكريا وعمليا وسياسيا لنبذ العنف والإرهاب، وتميز نفسها عن الجماعات التي تمارسه، والتي تخلط بين الجهاد المشروع المقيد بالدفاع عن الأوطان، والإرهاب الذي يستهدف المدنيين، ويكفر الجماعات والشعوب، ويريد أن يعود بالأمة إلى مرحلة الحروب الدينية، وهي مطالبة كذلك، بإنتاج خطاب متوازن مع الغرب لا يستعديه، ويسعى في نفس الوقت إلى عقد علاقات التفاهم والتعاون مع ذوي الرشد والإنصاف فيه من الشخصيات والمؤسسات التي تدافع عن القضايا العادلة للأمة. الأنظمة السياسية وفى الفصل الثالث بعنوان : المطلوب من الأنظمة السياسية، يرى الكتاب أنه لا ينبغي أن تنظر أنظمة الحكم للمراجعات الفكرية التي تقوم بها الحركة الإسلامية على أساس أنها مكاسب سياسية تحصل عليها في إدراتها للصراع مع القوى الفاعلة، ولا ينبغي أن يكون مركز رؤية هذه الأنظمة مؤطرا بهذه الرؤية السياسوية الضيقة، بل على العكس ينبغي أن تدفعها مثل هذه المواقف الجريئة والشجاعة، إلى إعادة النظر في مسلكيتها السياسية وأسلوب تعاطيها مع هذه الحركات الإسلامية، ذلك أن النسق السياسي الحالي لم يعد يحتمل أن يستمر الوضع دون إشراك حقيقي للقوى الرئيسة في المجتمع، بل إن شروط الانتقال الحقيقي للديمقراطية تفرض توافقا وتعاقدا سياسيين بين القوى الكبرى ونظم الحكم. ذلك التعاقد الذي يضع الأسس الضرورية لعملية ديمقراطية مستدامة، وتداول سلمي للسلطة. ومن ثم، فكل أدوار الضبط والتحكم واستثمار التناقضات الاجتماعية والسياسية التي تقوم بها الأنظمة لتبرير وجودها السياسي والبرهنة على فعالية اختياراتها السياسية، تحتاج إلى مراجعة شاملة حتى تتأسس السياسة على قواعد جديدة، مبنية على الاعتراف بالآخر، وقدرته من داخل قناعاته وبرامجه واختياراته، على تحقيق مصالح الوطن. النظرة الموضوعية وتحت عنوان المطلوب من القوى والتيارات السياسية الأخرى يقول الكتاب إن النظرة الموضوعية للفعل السياسي تفترض أن تكون القوى السياسية معبرة عما يتمخض داخل الشارع العربي والإسلامي، وأن تسود فيما بينها علائق سياسية واضحة ومؤطرة بالتعايش والاختلاف الديمقراطي. إن هذه النظرة تفترض في أساسها الاعتراف المتبادل بين مكونات الطيف السياسي، وتفترض الإيمان بالاختلاف والتعدد على مستويات كثيرة، لكن المراقب للمشهد السياسي، ولطبيعة الحراك السياسي السائد، يلمس أن منهجية أخرى، تقتات من ثقافة المصادرة والإلغاء والإقصاء، وتوظيف كل السياقات، بل وافتعالها من أجل الاستئصال. حتى بدأت تظهر بعض الجهات المتشددة في أوساط العلمانيين، تستعدي الإسلاميين وتضع مطلب حلهم على طاولة الأنظمة السياسية. لقد بات مطلوبا أن تراجع هذه القوى السياسية مواقفها، وأن تلتقي على أرضية مشتركة يكون مدخلها الاعتراف بالآخر والقبول به، واعتبار ذلك ضرورة وجودية للذات قبل أن تكون حاجة للآخر، ويكون التعدد وقبول الآخر شرطا في إثراء النقاش والتجربة الديمقراطية. إن حراكا اجتماعيا مؤطرا بوجهات نظر مختلفة من شأنه أن يبدد جو الرتابة والسكون والمراوحة الذي يميز مجمل الساحة العربية، ثم إن قبول المنهجية الديمقراطية واعتبارها قناة طبيعية لتصريف الاختلاف وإدارته، من شأنه أن يؤسس لثقافة جديدة تتكافأ فيها فرص القوى السياسية في الانغراس في القواعد الشعبية، والتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها، وجعلها بعد ذلك حكما عليها وعلى أدائها السياسي واختياراتها الفكرية والساسية. حاجة عالمية وفى الفصل الخامس تحت عنوان : المطلوب من الغرب يؤكد مؤلفو الكتاب أن إنجاز خطاب إسلامي ديمقراطي ومدني ليس فقط حاجة عربية أو إسلامية، وإنما هو أيضا حاجة عالمية لتجاوز حالة الاحتقان، وحماية الاستقرار العالمي وتجنب المواجهة الحضارية. ولكي يتحقق ذلك يتحمل الغرب قسما هاما من المسؤولية، فالولايات المتحدةالأمريكية والدول الأوروبية، مدعوة إلى أن تكون سياساتها منسجمة مع مبادئ الحق والحرية والعدالة والمساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وهي المبادئ التي نادى بها الفلاسفة والسياسيون المؤسسون للغرب الحديث. إن الانتهاكات لحقوق الشعب العراقي التي ترتكبتها قوات الاحتلال، والمواقف المزدوجة الذي تتعامل بها الإدارة الأمريكية وبعض الحكومات الأوروبية مع قضية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للعدوان والاحتلال، ولكافة أشكال الحصار والتجويع، عقابا له على ممارسته لحقه في الاختيار الديمقراطي، ليست سوى أمثلة عن سياسات خاطئة تغذي التطرف وتدفع نحو العنف وتعطي الغلاة المبررات لفرض توجهاتهم وخياراتهم على الجميع. كما أن الحملة العالمية التي تدار منذ سنوات تحت عنوان»مكافحة الإرهاب» قد أدت عمليا إلى تغذية العداء للإسلام والمسلمين بشكل غير مسبوق، وأضعفت المعتدلين على الساحة الإسلامية وكادت أن تجعل الاستقطاب الثنائي هو الخيار المتبقي أمام الجميع، ولتجاوز هذا الوضع الخطير وغير الطبيعي، على الغرب أن يدرك حق الإسلاميين في التعبير والتنظير والمشاركة السياسية، ما داموا ملتزمين بالخيار الديمقراطي ورافضين للعنف كأسلوب للتغيير السياسي، وألا يتعامل بأساليب غير ديمقراطية تؤدي إلى تهميش بعض هذه القوى ودفعها إلى مواقع وسياسات عصبية مغلقة. فالمصلحة المشتركة تفرض على كافة الأطراف، الدخول في حوارات هادئة وبناءة من أجل تصحيح العلاقة وحماية التنوع والاختلاف، من كل جموح إقصائي. فالغرب ليس عدوا بالضرورة، ولا هو كتلة متجانسة، كما أن منطق تقسيم العالم إلى قوى للشر وأخرى تحتكر الخير، وتريد أن تفرض وصايتها، هو منطق لن يؤدي إلا إلى توسيع دائرة المواجهة وحرب الثقافات وتمديد الحرب الباردة في ثوبها الجديد، وإذ يواجه المسلمون في عدد كبير من الدول الغربية، إشكاليات وتحديات تتصل بأسئلة الهوية والاندماج، يطالب المؤلفون بانتهاج مقاربة تنطلق من احترام مواطنة هؤلاء وما ترتبه لهم من حقوق، ورفع التمييز الذي يتعرضون له، كما أن المسلمين في هذه الدول، مطالبون، وهم يستمسكون بثقافتهم وتراثهم ودينهم، بالتصرف وفقا لقواعد المواطنة وما تمليه عليهم من واجبات.