العناية بنظافة المسجد الحرام بمكةالمكرمة في جميع محتوياته هي قصة أخرى تستحق التأمل، فللأرضيات طريقة خاصة في التنظيف، وللسجاد مغسلة خاصة بغسله وصيانته، كما أن لتلك الرائحة المميزة التي يشمها كل من يدخل الحرم لها أيضاً سرها الخاص، حيث العناية بأدق التفاصيل في ملف العناية بنظافة البيت الشريف، تقودها إدارة النظافة والفرش بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وبإشراف مباشر من فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس، حيث يتم غسل كل موقع على حدة باستخدام المساحات الجلدية والفرش والفوط وماكينات الغسل والآلات الحادة لإزالة الأوساخ من على الرخام والأرضيات، والمداخل المؤدية إلى ساحات المسجد الحرام، مع غسل الجسور والعبارات الموجودة في الساحات، كما يتم غسل المشربيات وأطراف الحوائط والأعمدة والزوايا، وتنظيف مجاري تصريف المياه في كل موقع، ورش المبيدات الحشرية والمطهرات في مراكز التصريف، وغسل صناديق الأحذية. تتم أعمال النظافة بالمسجد الحرام على ثلاث ورديات، وتتضمن أعمال الوردية الأولى لف سجاد المطاف وترتيبه على القواعد وتغطيته بالأشرعة، وغسل صحن المطاف، فيما تبدأ الوردية الثانية بعد العصر، وتشمل غسل صحن المطاف، ثم فرش السجاد الخاص به، وكنسه باستخدام المكائن الكهربائية، وإخراج المخلفات إلى خارج المسجد الحرام بواسطة السيارات الكهربائية، أما الوردية الثالثة فتختص أعمالها بغسل أرضية المسعى، وفرش سجاد المطاف الشرقي، وغسل المطاف بعد منتصف الليل. بداية العمل يبدأ العمل عادة بأن تتجه ماكينتان إلى داخل الحجر لغسله، ويقوم بذلك عاملان من العمال بالمساحات الجلدية وآخر يقوم بسكب الماء، يعقب ذلك تجفيف الأرضية ثم وضع ماء الورد في حجر إسماعيل، ثم تتجمع المكائن في ممشى باب العمرة حتى تصل إلى جوار الكعبة، لتتم عملية الغسل بالدوران حول الكعبة لتبلغ سلالم المطاف. وهناك طريقة ثانية للتنظيف عبر استخدام المساحات الجلدية بحيث يتم الغسل باستخدامها بطريقة فنية وسريعة لا تسبب أي إعاقة للطائفين، وتقول إدارة النظافة والفرش إن غسل كامل المطاف يستغرق ثلاثين دقيقة فقط، ويشمل التنظيف بالطبع دورات المياه والحمامات، ويُقدر عدد دورات المياه الموزعة حول الساحات المحيطة بالمسجد الحرام بأكثر من 3000 دورة مياه يتم غسلها ونظافتها وتعقيمها على مدار الساعة. من أين تأتي رائحة الحرم المميزة؟ أرضيات الحرم الشريف يتم غسلها باستخدام المنظفات العضوية المستخرجة من البكتريا النافعة التي تفكك الأوساخ وتقتل البكتريا الضارة، ويقوم العمال برش مستحضر به العديد من الروائح الذكية والعطور ذات الجودة العالية التي تشتهر بها المملكة وعدد من بلدان العالم وذلك على الأرضية نفسها، وكذلك السجاد المنتشر في جميع أنحاء المسجد، ويتم تطييب الحرم بنحو 200 غالون من ماء الورد، فيما يتم تبخير جنبات المسجد الحرام من خلال ست مباخر تقريباً بالعود الفاخر، وقد شهدت توسعة الملك فهد -رحمه الله- في المسجد الحرام، فرش الدورين الأرضي والأول، بأكثر من 3100 سجادة جديدة بعد انتهاء رمضان الماضي، وجرى تعطير السجاد أيضاً بالكامل وبالطريقة نفسها، ويفسر ذلك مبعث الرائحة الذكية التي تكون أول ما يشمه زائر البيت الحرام، وتنتقل معه داخل المسجد أينما حل. تطييب الكعبة أما تطييب الكعبة نفسها فيتم يومياً بمعدل خمس مرات، ويقوم العاملون خلال ذلك بتطييب الحجر الأسود والملتزم والركن اليماني بأجود أنواع دهن العود، فيما تحظى عند غسيلها السنوي بالمزيد من الطيب، إذ تُغسل بماء مخلوط بالورد الطائفي والعود الفاخر، أما الجدران الداخلية، فتُغسل تقريباً ب45 لترًا من ماء زمزم، و50 تولة من الورد الطائفي والعود الكمبودي الفاخر، باستخدام قطع قماش مبللة بماء زمزم الممزوج بالورد. العناية بزمزم كذلك تحظى خزانات ماء زمزم باهتمام وعناية خاصين، حيث يتم شفط الأتربة والغبار من على الأسقف والحوائط دورياً وتنظيف وتلميع جميع النوافذ والأبواب والقواطع الخشبية والزجاجية، كما يتم تنظيف وتطهير دورات المياه والحمامات وتلميع الأدوات الصحية وجلي الصنابير والخلاطات والمحابس وكافة التركيبات المصنوعة من الكروم وغيرها، كما تخضع الخزانات لأعمال نظافة خارجية، وذلك لتنظيف الساحات والطرق والواجهات والأسطح وإزالة الغبار مع إزالة البقع والأوساخ. مغسلة السجاد هذه أيضاً قصة أخرى من العناية الفائقة بسجاد المسجد الحرام، فالسجاد الذي يطؤه الملايين يومياً ليس هو الذي يراه غيرهم ممن يأتون بعدهم، حيث يتم غسله وإصلاح ما يتعرض له من مشاكل بسبب الاستخدام، بدلاً من التخلص منه، في حي» كدي» أشهر الأحياء القديمة في مكةالمكرمة، تم إنشاء مغسلة خاصة لغسيل سجاد المسجد الحرام بها، وهي مزودة بماكينات مخصصة لأعمال نظافة السجاد. في المغسلة العملاقة يمر غسيل السجاد بعدة مراحل، تبدأ أولها بنفض الغبار بواسطة ماكينة مخصصة بنفض وشفط الغبار وتجميعه في خزانات ملحقة بالماكينة، ثم مرحلة الغسل، وهي تتم بواسطة ماكينة غسل آلي تستخدم مواد مخصصة لهذا الغرض، أما المرحلة الثالثة فعبارة عن تجفيف السجاد، ويتم خلالها إزالة المياه بواسطة ماكينة الطرد المركزي الأوتوماتيكية، ثم نشر السجاد على الحوامل المعدنية خارج المغسلة لإكمال التجفيف النهائي. بعدها تأتي مرحلة الكنس، ويتم عبرها كنس السجاد بعد الانتهاء مباشرة من مرحلة التجفيف عن طريق مكانس كهربائية خاصة، ومكانس يدوية، ووضع المواد الحافظة على السجاد ولفه وتسليمه لمستودعات الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بحي كدي، ثم تأتي مرحلة استخراج السجاد التالف وعزله، وإرسال السجاد الذي يحتاج لصيانة إلى قسم الصيانة، تعقب ذلك مرحلة أخرى من العناية وهي الخاصة بصيانة ورفي السجاد، حيث توجد ماكينة خاصة لعلاج السجاد ورفيه، وبذلك تتم معالجة أحرف السجاد ليبدو بعد الصيانة كالجديد تماماً. التقنيات المستحدثة في التنظيف تستعين الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والنبوي بتقنيات خاصة في عملية التنظيف كي تتناسب مع الأعمال المطلوبة للنظافة به، ومن ذلك مكائن حرم كابتر، التي سُميت بهذا الاسم لأنها تستخدم في المسجد الحرام والمسجد النبوي فقط، وما يميزها عن غيرها من المكائن الأخرى أنها تقوم بشفط الأوساخ وتخزينها بداخلها في حاوية خاصة تتسع ل 245 لترا، ما يجعل عملية التخلص من هذه الأوساخ في نهاية عملية التنظيف في الصرف الصحي أمراً سهلاً، أما المكانس والمساحات اليدوية فتقوم بتحريك الغبار أثناء عملية التنظيف وتنقله الى أماكن قريبة من السطح المراد تنظيفه أو إلى أماكن مرتفعة، كما أن المياه تكون في المكائن التقليدية نظيفة في البداية ثم تصبح ملوثة، فينتقل التلوث عن طريق المساحات إلى باقي أجزاء السطح، أما باستخدام هذه الماكينة فإن كل سنتيمتر من الأسطح المراد تنظفيها يحصل على ماء نظيف ومواد تنظيف مباشرة من خزان الماكينة، ما يعني التخلص من التلوث تماماً. هذا بالطبع غيض من فيض. موارد بشرية وكي نتخيل حجم المجهودات المبذولة في أعمال النظافة يكفي أن نشير إلى أن عدد الموظفين الرسميين الدائمين العاملين بإدارة النظافة والفرش يصل إلى 46 ألف موظف، فيما تتم الاستعانة خلال موسم رمضان المبارك بخمسة وسبعين موظفا بصفة مؤقتة، أما عدد العمال الذين يقومون بأعمال النظافة فيصل إلى 2500 عامل يساندهم عمالة موسمية تُقدر ب 500 عامل، وتصل عدد الآليات والمعدات المستخدمة إلى أكثر من 300 آلة ومعدة، فيما يصل المتوسط التقريبي لكمية النفايات المرفوعة لأكثر من 145 طنًا من المسجد الحرام وساحاته في المواسم.