إن التأريخ الإسلامي سفر عظيم حوى سيرة ومسيرة رجال عظام، تأتي في مقدمتهم سيرة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، والتاريخ الإسلامي إذا كان أكثره صحيحاً في السرد فإنه كذلك لا يخلو من أشياء غير صحيحة.. ولست هنا في صدد تمييز الغث من السمين والخطأ من الصواب، فمثل هذا لا تأتي عليه مقالة صغيرة، ولكني بصدد شيء مهم وهو أن الذين كتبوا في التاريخ الإسلامي عندما يتحدثون عن الحروب التي دارت رحاها وثار نقعها بين المسلمين وكفار قريش يقولون عن هذه الحروب (غزوات الرسول)، وهذا المسمى لهذه الحروب خطأ فادح، وإنه من الأجدر أن يُقال عن هذه الحروب (رد المظالم)، التي تعرض لها المسلمون إبان نشر الإسلام، فخلال نشر الإسلام اضطهد المسلمون وزلزلوا زلزالاً شديداً، فأخرجوا من ديارهم وسُلبت أموالهم. وما هذه الحروب التي دارت رحاها بين كفار قريش والمسلمين ما هي إلا أخذ بحق المسلمين ورد مظالمهم. إن الرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه لم يسلوا سيفاً ولم يشدوا سهماً من أجل الاعتداء المحض. ووحي الله الطاهر يطفح بنصوص تبين أن المسلمين أُخذ حقهم من قبل مشركي قريش قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) فالرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه في نشر دعوة الإسلام لم يستخدموا صامتاً ولا صاهلاً من أجل نشر الإسلام. وما الحروب التي خاضها الرسول إلا لاسترداد حق اُغتصب. إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتد البتة لأنه يعي ويدرك تماماً قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) إذن، إذا عنون كتاب السيرة لتلك الحروب تحت مسمى (غزوات الرسول ) فهذا المسمى لا يُلصق بالدين الإسلامي ولا برسوله. إن الدين الإسلامي دين الرحمة والشفقة وما أتى إلا ليغمد سيفاً سُل ويُرخي سهماً شُد. وما تلك الحروب بالنسبة للمسلمين إلا حروب اضطرار لا اختيار بدءاً من موقعة بدر الكبرى إلى آخر حرب خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم .إن الدين الإسلامي لا يُنشر بوهج سيف مصلت، وإنما بوهج حكمة بالغة وموعظة حسنة، والله تعالى يحدد مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) هذه هي مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام في نشر الدين وكذلك مهام الرسل الذين سبقوه. أيها القراء الأفاضل أرجوكم قفوا معي لحظة حقيقة؛ وهي أن الدين الإسلامي لا يُنشر بالإكراه ولا التعسف، ألستم تقرؤون قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وأخشى هنا أن يُطرح علي سؤال فحواه كالتالي: ماذا تقول عن الفتوحات الإسلامية؟ فأجيب قائلاً إن جميع الفتوحات الإسلامية سببها أنه يوجد هناك مراكز عداء للدولة الإسلامية، وما الفتوحات الإسلامية إلا رد لتلك الاعتداءات التي تحاول تقويض الدولة الإسلامية. ودعوني أكون معكم أميناً إن الفتوحات التي في عصر الدولتين العباسية والأموية هي حروب سياسية أحياناً ومراكز قوى تتصارع.. وأنا هنا وأنا أخوض غمار هذا الموضوع قفز إلى ذهني شيء مهم وهو أن قاصمة ظهر الإسلام حينما يورد بعض العلماء وطلاب العلم ذلك الحديث المكذوب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قولهم على حد زعمهم: "جُعل رزقي تحت ظل سيفي أو رمحي" يا لهذا النص وما فيه من هرطقة وتجديف في هذا الدين !! إن رزق رسول الله صبه الله عليه من السماء صباً؛ فالله تعالى يقول عن رزقه للرسول: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) إذاً دعوني ألملم مقالي بقولي: إن تسمية تلك المعارك التي خاضها الرسول مع كفار قريش ومع يهود المدينة بالغزوات هي تسمية مجافية للحقيقة، وإنما هي رد مظالم ومواثيق وعهود نُقضت. وأخيراً إن كل مشكلة مُنيت بها الأمة الإسلامية وكذلك غيرهم ما كانت لتتأتى لو فُهم هذا الدين فهماً صحيحاً وفُهمت غاياته ومقاصده، وما عرفتُ غاية أنبل وأسمى لهذا الدين من قوله تعالى عن نبيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) والله من وراء القصد.