كان الرجل فيما مضى يعتبر أن حقه مكتسب في خيارات الأسرة الاستهلاكية الكبيرة كالديكور ودرجة الإضاءة وتقسيم الصالات. أما الآن فقد اندثرت واختفت النظرة تمامًا، ولم تعد موجودة إلا في مجتمعات ربما نقول عنها بدائية. أحد المختصين في السلوك والمشورة الاجتماعية كان يُحاضر على طلبة التخرّج في علم النفس الاستهلاكي، وأراد أن يضرب مثلاً ذا دلالة فقال: * عنما قررت العائلة شراء سيارة، دار جدل بيني وبين زوجتي عن نوع السيارة ولونها. زوجتي تحبّذ السيارة الألمانية، وأنا أفضل السيارة الأميركية، وتشعّب الحوار وازداد طولاً وعرضاً، وأخيراً توصلنا إلى تسوية. أهكذا؟.. سأل أحد الطلبة.. وما لون سيارتكم الألمانية يا أستاذ؟ (يعني أن القرار ذا الحدود الحمراء دائماً هو "لأم الأولاد") في ظني أن الوضع الأسري يصل إلى مأزق أو مآزق، ويكون إلى حد بعيد عندما تختلف الأذواق بين الجيلين. حتى عندنا في بلادنا، الأم تسأل عن سعة السيارة؟ والولد يسأل كم طبلونها؟ والابنة تسأل ما لونها؟ ومع نهاية القرن الماضي ظهرت مفاهيم ولغات جديدة تحدّ من حرية الاختيار، بعد أن كان رب البيت سيد الموقف، وعموداً صلباً لكل رأي، وقد بلغت تلك الأمور أوجها عندما تيسرت السيولة في أيدي الناس. فاقتُلعتْ ثقافة وبرزتْ أخرى، لأن المنزل يعرف الكثير عن بيوت الموضة وتقليعات العصر، وكذلك مجلات الأناقة، وربما ترانيم موسيقية لا تستميل رب الأسرة ولا تستعذبها الأم، ولا تستطيبها الأراجيح القديمة التي كانت في يوم مضى تُشنّف آذان المنزل كله. وعندما أصبحت تذاكر السفر عبر المحيطات في تناول اليد صار الحديث بين الصغار لا عن كيفية توفير ثمنها بل عن وجهة السفر. فسواء كنتَ أستاذ جامعة – مثل صاحب السيارة الآنف الذكر، أو كنتَ جراحاً في مستشفى، أو حتى طياراً فوق السحب، فالرأي أصبح رأي "العيال وأم العيال".