لست ممن يسيئون الظن, أو ممن يعلقون مشانق الوطنية؛ لكن ما يحدث من بعض من يدعون الانتماء لهذا الوطن العظيم موقفٌ لا يمكن تفسيره بحُسن نيّة, أو تجازوه وكأنما هو مجرد رأيٍ عابر. خلال الأيام الماضية سار رُكبان الحزبية بزعم خبر تكفل تركيا بتكاليف حج عجوز غاني فقير, كانت طائرة تصوير قناة تلفزيونية تركية سقطت بالقرب منه, فكان أن سأل عما إذا كان بإمكانهم نقله بطائرة أكبر ليحج, وعلى حد ما تداوله هؤلاء فإن الحكومة التركية تكفلت بمصاريف حجه هذا العام. هلّل البعض وكبّر, بل أضحى ترويج هذه القصة اليتيمة عبر منصات الاتصال الاجتماعي شُغله الشاغل, وتجاهل كل ما تقدمه بلادنا المباركة كل عام ليس لخدمة ضيوف الرحمن فقط؛ بل استضافة الآلاف منهم بمكرمة كريمة من ملوك بلادنا, والذين ناهز عددهم حتى الآن سبعة وعشرين ألف حاج من 140 دولة حول العالم, ففي موسم هذا العام فقط يستضيف برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان –حفظه الله- ألفاً من ذوي شهداء فلسطين, وألفاً من أسر شهداء رجال الجيش والشرطة المصرية, وثلاثمائة وخمسين من ذوي شهداء عاصفة الحزم من الجيش السوداني, و-أيضاً- ألفاً وثلاثمائة حاج من 79 دولة. ناهيك عن استضافة كامل حجاج دولة قطر. غير أنني هنا أعتقد أننا لا نزال مقصرين في نقل وإبراز القصص الإنسانية لضيوف خادم الحرمين, فالكثير منهم لأول مرة تطأ قدماه الأراضي المقدسة, وبعضهم لم يكونوا يحلمون يوماً أن تتاح لهم فرصة أداء الركن الخامس, فضلاً عن أن يكونوا ضيوفاً على قبلة الإسلام. لقد شاركت منذ سنوات –ولا أزال- في لجان خدمة الحجاح, وأشهد أن بلادنا لا تبخل بأي شيء من الممكن أن يحسّن الخدمات ويسهّل أداء الفريضة على ضيوف الرحمن, مليارات من الريالات تنفق, وجهود عشرات الآلاف من موظفي الدولة تبذل, فقط لينعم حجاج بيت الله والذين يقدر عددهم بأربعة وعشرين مليوناً خلال العشر سنوات الماضية بالاستقرار والراحة, وهذا واجبنا ونحن مستمرون بعون الله على ذلك. للأسف رغم كل هذه الجهود الضخمة, والتي يشهد بها القاصي قبل الداني تجد التجاهل من هؤلاء, ولا تكاد تلمح قصة واحدة عن ما تقدمه بلادنا في تغريدات حسابه, أو كلمة حقٍ يصدح بها, وكأنما لا يبصرون ما حولهم, ولكن قاتل الله الحزبية حينما تكون أغلى من الوطن. وتجعله لا ينظر بعين الرضا إلا لمن يحقق مصالحه, وبالذات إن كان من خارج الوطن. لست أطلب من هؤلاء سوى التوازن في الطرح والصدق في الخبر, أو على الأقل ذكر حقائق ما يقدم على أرض الواقع لضيوف الرحمن كما هو, فإن لم تكونوا وطنيين فعلى الأقل كونوا صادقين.