قرع مختصون الجرس محذرين من التأثير السلبي لرفع إيجارات المتاجر بشكل مستمر ومبالغ فيه على نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وانعكاساتها السلبية على المستهلك من خلال ارتفاع أسعار العديد من السلع الاستهلاكية، وذهب قانونيون إلى القول إن غياب القوانين المنظمة للإيجارات في المملكة، فتح الباب على مصراعيه لملاك العقارات لفرض زيادات غير منطقية، وضاغطة على العديد من المتاجر في مختلف مناطق المملكة. محمد الجذلاني: الحاجة ماسة لنظام يضبط رفع الإيجار وينظم العلاقة بين الطرفين وتتواصل شكاوى أصحاب المتاجر جراء رفع الإيجارات من قبل الملاك، خاصة تلك المتاجر التي يرى ملاك البنايات التجارية أنها تتمتع بإقبال كبير من قبل المتسوقين، في وقت يرى فيه المستأجرون أن الإقبال على متاجرهم ليس مبرراً لتلك الزيادات التي عدها بعضهم استغلالاً ومساومة ومحاولة للمشاركة في الربح. وما بين مبررات الطرفين، تبقى العلاقة التعاقدية هي مربط الفرس، وما تتضمنه العقود بين المستأجر والمؤجر من بنود يفترض أن تعمل على تحقيق مصلحة الطرفين، وذلك في ظل غياب الأطر الرسمية التي تنظم العلاقة التعاقدية بين الطرفين، خاصة في تحديد النسب المقبولة في نسب زيادة الإيجارات، الأمر الذي يجعل أصحاب المعارض المزدهرة في حالة رفع الإيجارات بين خيارين أحلاهما مر، إما الرحيل إلى متجر جديد، وخسارة السمعة التي بناها المعرض في ذلك الحي أو الشارع أو المجمع، وما كلف من ديكورات وتحسينات، وإما الإذعان لتلك الزيادات وتقبل ضغوطها على الأرباح المحققة. سلوك د. فهد حمود العنزي -عضو اللجنة الاقتصادية بالشورى- أكد أن فرض زيادات متوالية على أصحاب المتاجر من قبل الملاك هو نوع من أنواع الاستغلال، ومحاولة المشاركة في الاستفادة من الأرباح التي تحققها المتاجر، خاصة تلك التي يكون عليها إقبال كبير، وقال: في حالة أن رأى مالك العقار أن متجر أحد المستأجرين يحقق مبيعات قوية ويقبل عليه المستهلكون بشكل كبير، وقرر أن يرفع الإيجار عليه بهذا السبب، فإن ذلك محاولة مبطنة لمشاركة صاحب المتجر فيما يحققه من أرباح، وهذا شكل من أشكال الاستغلال، ويفترض أن تكون أخلاقيات الطرفين كفيلة بأن لا يحدث مثل هذا في علاقتهما التعاقدية. وأضاف: يجب أن يمنع مثل هؤلاء التجار من ممارسة هذا الاستغلال، كما أنه يجب أن تحتوي العقود على تفاصيل تحدد آلية تحديد مبالغ الإيجار مستقبلاً، وعلينا ألا نسمح لهم بالتمادي في هذا الاتجاه تحت ذريعة الاقتصاد الحر، فحرية الاقتصاد يجب ألا تمس السلع الأساسية، ولا يعني مصطلح الاقتصاد الحر أن يستبد أحد أطراف العقد بالتمادي في رفع الأسعار تحت هذه الذريعة. وقال: من حق المستأجرين إذا بالغ الملاك في رفع مبالغ الإيجار بشكل كبير ومتواصل أن يتقدم المتضرر للقضاء، ويتم النظر في القضية من حيث الضرر الذي يلحق بالمستأجر، وهذا قد يلزم القضاء المؤجر بالرجوع إلى مبلغ الإيجار القديم قبل الرفع الذي أضر بالمستأجر. وكثير من الدول اهتمت بعقود الإيجارات وسنت قوانين تنظيم العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر، والدولة متى ما رأت أن الحاجة ماسة إلى سن قوانين أو وجود معايير معينة يمكن الرجوع إليها عند احتساب الإيجارات، وهذا يضبط العلاقة التعاقدية في سوق الإيجارات، ويحد من المبالغات التي قد تضر بأحد الطرفين، والمشكلة أن المبالغة في رفع إيجارات المتاجر لا تضر فقط بالمستأجر، وإنما يصل ضررها إلى المستهلك، حيث سيضطر صاحب المتجر إلى رفع أسعار بعض السلع لديه ليعوض ما فقدته بسبب رفع إيجار متجره. العلاقة القانونية محمد الجذلاني -المحامي والمستشار القانوني- أكد أن العلاقة بين المستأجر والمؤجر يحكمها العقد، والذي يخضع لأحكام الشريعة وأحكام القانون، فإذا كان في العقد المبرم بين الطرفين ما لا يتماشى مع أحكام الشريعة أو القانون، فإن ذلك لا يعتد به، ويجب أن تكون العقود وضاحة، فإذا انتهى العقد مثلاً بعد مضي عام، وأصبح العقد بحاجة إلى التجديد لفترة أخرى، فإنه في هذه الحالة يحق للمؤجر أن يحدد الإيجار الذي يراه سواء بالزيادة أو إبقاء قيمة الإيجار كما هي، ولا يحج المستأجر المؤجر إلا في حالة الغبن، وهذه لها شروط لا تتوفر دائماً. وأضاف: لذلك في الغالب فإنه إذا انتهى العقد، ورأى مالك العين المؤجرة أن يرفع الإيجار على المستأجر، فإنه من حقه في هذه الحالة، ويكون المستأجر بين خيارين، إما القبول، وإما نقل متجره إلى عقار آخر، ومن الصعب أن يرفع المستأجر دوى غبن في هذه الحالة لأن عقده قد انتهى، والحاكم في العلاقة بينهما هو العقد. وطالب الجذلاني بإصدار قانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر أسوة بكثير من دول العالم، وقال: لضبط العلاقة التعاقدية بشكل أكثر في مجال إيجار العقارات أقترح أن يصدر نظام خاص بالإيجارات بشكل عام، أو بالإيجارات في المجال التجاري، ومثل هذا النظام موجود في دول مختلفة، وهو يسمح للمؤجر بزيادة الإيجارات متى ما دعت الحاجة إلى ذلك بالنظر لظروف السوق، ولكن بنسب محددة منعاً للضرر الذي قد يلحق بالمستأجرين. وأضاف: في حالة إقرار قانون كهذا لدينا، فإنه سيكون متوافقاً مع الشريعة لأنه ينظم تعاملات الناس ويحفظ حقوق الطرفين، فمستنده شرعي واضح، وفي حالة إقراره، ستلتزم به المحاكم وتطبقه، وبالتالي لا يكون مجالاً لاجتهادات القضاة. زيادات الإيجارات تفقد المتاجر الاستقرار د. فهد العنزي محمد الجذلاني