فتح المنافذ التي أغلقت بين المملكة وبين العراق لما يربو على سبعة وعشرين عاما, هو خطوة تاريخية لاستعادة العراق عمقه الإستراتيجي ونسيجه العربي القائم منذ مملكة الحيرة إلى الآن. وأيضا في فتح المنافذ تعضيد العراق من معركته الشعوبية الداخلية, التي تحاول أن تطمس المكون العربي من الهوية العراقية, ولعل هذا الصراع طفا على السطح واضحا بين المرجعيات الشيعية ذات التوجه العربي والأخرى ذات التوجه الفارسي, وإن كانت دوما إيران هي التي تضبط إيقاع هذا الصراع خشية أن ينفلت إلى صراعات ميدانية, لكن انفتاح المكون الشيعي العربي في العراق على جيرانه وحديقته العربية الخلفية, غير معطيات المعادلة, لاسيما بأنه سيظهر في المشهد بوضوح الآن شيعة عرب الأحواز القابعين تحت الحكم الفارسي. وإلى اليوم لا نستطيع أن ننتزع البعد الشعوبي من طبيعة التوترات حول الخليج العربي, فهو يظل كامنا كأبرز مكونات المواجهة من زمن معركة ذي قار إلى وقتنا الحاضر. فالوجدان الفارسي يعاني غيبوبة تاريخية في علاقاته مع محيطه عاجزة عن استحضار الصيرورة الزمنية المتبدلة المتغيرة, مع غياب الإرادة السياسية التي تجعل من إيران دولة مستقرة وجزءا فاعلا منتجا في المنظومة الدولية, فمنذ العام الأول لحكم الملالي, برزت النعرات العرقية والمذهبية, مع أجندة منظمة لتصدير الثورة, واليوم جيش مجند في العراق (الحشد الشعبي) يأتمرون بإمرة طهران, هم ملامح الشوق القديم الذي لا يخبو لفارس في أرض العراق. وإن كان العالم المتحضر الآن يعتبر الشوفينية العرقية والعنصرية, هي نوع من الهمجية البدائية التي تجاوزتها شعوب الأرض (أو على الأقل تحاول أن تتجاوزها) واستبدلتها بالعلاقات الدولية الإيجابية, ولغة التعايش مع الآخر, وأرضية التسامح, لكن الأجندة الفارسية تظل أسيرة لها, على حساب الشعب الإيراني وحقه في العيش الآمن والانشغال بمشروعه الحضاري الداخلي. كتب التاريخ تبين لنا في عنوانيها الكبرى وواجهاتها فقط نكبة البرامكة, ولكن عندما نتوغل عميقا سنرى الكثير من معالم الشره والطمع الفارسي الذي لا يتوقف, وفي يوم ما الفرس البويهيون أزالوا الخليفة العباسي (المستكفي) عن عرشه, وسملوا عينيه, وسيطروا على بغداد فصكت النقود باسمهم, ودعوا لهم على المنابر مع الخليفة!! وهو مشهد لن يبتعد عن نظام الملالي والعمائم, في المشترك الشعوبي الذي يقبع متخلفا خارج التاريخ ,لا مكان فيه للغة الدبلوماسية والجوار, أو حقوق الإنسان, أو تسخير مقدرات الأوطان من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة. استعادة العراق وفتح المنافذ, هي خطوة إيجابية كبرى, لاسيما أنها لم تتخذ طابعا طائفيا, بل طابعا يقوم على المصالح والتوازنات, واستقرار المنطقة. وأيضا هي خطوات تحمي العراق من مخالب التفريس, والتفكيك, والطائفية, ليعود عراقا حديثا بدولة مدنية.... عنقاء تحلق من رمادها, عراق الحضارة... والنعمان, وأبي جعفر المنصور... والمستقبل.