يتذكر الجميع جيداً يوم 15 سبتمبر 2008، وهو اليوم الذي انهار فيه مصرف ليمان براذرز نتيجة تعذر تحصيل ديونه بسبب عجز المقترضين في سوق العقار عن السداد، معلنا انفجار أزمة مالية عالمية بدأت شرارتها من أميركا وطافت كل أنحاء العالم. إلا أن بداية الأزمة سبق هذا التاريخ بنحو عام كامل، فالأزمة فعلياً تكونت من منتصف 2007 وتدحرجت وكبرت ككرة الثلج على مرأى الجميع حتى انفجرت في منتصف سبتمبر2008. تاريخيا، بدأت الأزمة في 9 أغسطس 2007 حينما جمد مصرف "بي إن باريبا" الفرنسي ثلاثة من صناديق الاستثمار في السوق الأميركية بسبب الخسائر التي حققتها هذه الصناديق في سندات العقار في الولاياتالمتحدة. وهذا القرار كان بمثابة إشارة إلى الأوساط المالية بأن القروض القائمة على رهون عقارية في أميركا لم تعد ذات موثوقية، وهو ماجعل المؤسسات المالية تبدأ الحد تدريجياً من القروض التي تقدمها لعملائها في هذا السوق. وتعيد بعض التقارير الأزمة إلى ستة أشهر قبل ذلك، حينما اعلنت فريدي ماك في فبراير 2007 عن توقفها عن شراء مزيد من القروض العقارية الخطرة، وبعض التقارير يعيد بداية الأزمة إلى أبريل 2007 حين اعلنت شركة Corporation New Century Financial المتخصصة في القروض العقارية في أميركا افلاسها حسب الفصل الحادي عشر وسرحت نصف العاملين فيها. في يوليو 2007 بدأت مشاكل شركة بير ستيرنز Bear Stearns وكانت على وشك الإفلاس لشرائها رهوناً عقارية مخاطرها عالية، وانقذها شراء جي بي مورغان تشيس لها من الإفلاس لقاء مبلغ قليل في مارس 2008. في 14 سبتمبر 2007 ضربت مشاكل سوق القروض العقارية الثانوية بريطانيا وأدت إلى ازمة بنك نورثرن روك Northern Rock وتدافع العملاء مذعورين لسحب أموالهم من المصرف، مما اضطر الحكومة لشراء البنك وتأميمه، وهي المرة الاولى التي يتم فيها تأميم بنك في بريطانيا منذ السبعينات، حيث كانت السياسة التي بدأتها مارغريت تاتشر هي التخصيص وليس التأميم. في 22 يناير 2008 خفض الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة من 5.25% إلى 3.5% فقط، ثم خفضها إلى 3%، ولكن خفض الفائدة لم ينفع في عودة سوق العقارات إلى طبيعتها وانخفضت مبيعات سوق العقارات في فبراير 2008 إلى أقل مستوياتها في عشر سنوات، فأعلن الفيدرالي ضخ 200 مليار دولار لتعزيز سوق العقارات، إلا أن الخطوة كانت متأخرة جداً ولم تمنع مابعدها. في 7 سبتمبر 2008، حدثت أزمة أكبر شركتين متخصصتين في القروض العقارية في أميركا وهما فاني ماي وفريدي ماك مما اضطر الحكومة الأميركية لوضع الشركتين تحت الحماية ودعمتها بالأموال لتمنع انهيار سوق القروض العقارية في أميركا. في 15 سبتمبر 2008، انخفضت قيمة اسهم بنك ليمان براذرز في الاسبوع السابق لإعلان افلاسه بنسبة 45%، ورفضت الحكومة التدخل لإنقاذه بعد أن بلغت خسائره مايقارب حجم أصوله البالغة حوالي 639 مليار دولار، مما جعله يلجأ لاعلان إفلاسه كأكبر افلاس لمؤسسة مالية أميركية في التاريخ. وبالتأكيد كان انهيار ليمان براذرز هو القشة التي قصمت ظهر البعير واعلنت رسمياً بداية الأزمة وأسالت الدماء على مؤشرات البورصات العالمية ونقلت الأزمة من أميركا لتطوف كل قارات العالم. ونكمل الاسبوع القادم عن سبب الأزمة وكيف تعاملت معها الحكومات وكيف استجابت لها البنوك المركزية في العالم، وماهو وضع الاقتصاد العالمي اليوم بعد عشر سنوات من مرورها.