أبرز ملامح الدولة المدنية الحديثة هي سيادة القانون , والتي تعكس الاستقرار السياسي للدولة وحماية حقوق الإنسان وتكريس سيادة الأنظمة, ومن هنا تبرز أهمية الموقف القانوني الذي اتخذته وزارة الثقافة والإعلام عبر تفعيلها لقانون الإعلام الإلكتروني ضد بعض التغريدات الطائفية المسيئة التي تسعى إلى أحداث شروخ في جسد الوطن ورفع الجدران بين شرائحه, والمزايدة على وطنية بعض الفئات. فالمرجعية القانونية هي التي تضبط التفلت غير المسؤول والمواقف المتشنجة, وهي الترياق لسم العنف والكراهية, والذي فتك بنسيجنا الفكري واختطف سنوات من عمر الوطن, وقادنا إلى منعطفات خطرة كانت مهددة للاستقرار الوطني وتلاحم فئات المجتمع, على اختلاف مرجعيتها المذهبية والعرقية . وإن كان البعض يرى أن هذا جزء من حرية التعبير التي لابد من صيانتها والمحافظة عليها كلزمة لاتنفصل عن سيادة القانون, (وكان من الممكن أن يصطف الجميع خلف هذا الوعي الحضاري ) لولا أن بعض الأطروحات تتسنم منبرا دينيا وتعبر عبر أطر وعظية عن رأيها الشخصي, وهذا يعني بأنه طرح يأخذ طابع القداسة والسلطة العقدية على البسطاء و العامة, والتي من الممكن أن يرفعها البعض إلى منزلة الفتوى الملزمة, والتي تخلق مواقفا عدوانية ضد كل من يعارضها, أو يمتلك تخريجا أو تفسيرا لايشبهها, وآخر مثال في هذا الضجيج الطائفي الذي تلا وفاة الفنان عبدالحسين عبدالرضا . في جميع دول العالم هناك متطرفون, وأصحاب أفكار ضد الإنسانية والمدنية والتعايش الجمعي, ولكن من ينظم هذا ويضبط غوغائيته هو القانون, فأنت حر بما تعتقد, ولك الخيار في اعتناق مايلائم ميولك واتجاهاتك, شرط أن لايكون معتقدك ذريعة لتخطيء الآخر وتصفيته, وطمس حقوق مواطنته. وعلى سبيل المثال في الولاياتالمتحدة, مابرحت تعيش جماعات (الكلان) والتي قتلت في يوم ما الملونين والسود, وحرقت منازلهم, وشنعت بهم, ولكنهم الآن يجعلون من صدورهم قبورا لمعتقداتهم, ويحذرون من المجاهرة بها, لأنهم يعلمون بأن قانون مناهضة العنصرية من شأنه أن يدخلهم في عقوبات جنائية صارمة. وفي النهاية كل الزهو والاحتفاء بالموقف الوطني الواعي النبيل الذي اتخذه غالبية المجتمع السعودي, ولاسيما نخبه ومثقفيه ضد هذا الطرح الطائفي البشع الذي رافق وفاة الفنان الخليجي الكبير, حيث كانت ميادين التواصل الاجتماعي مضمارا لوعي وطني عصي على فكر الكراهية والتصنيف . هذا الوعي الناضج قد يكون مؤشرا يخبرنا على إرادة جمعية تناهض فكر التطرف والتصنيف المعادي للإنسانية, وبأن فكر الكراهية في طريقه للأفول والاضمحلال , كبقعة الزيت التي لوثت خليجنا لأجيال, وهي الآن تنكمش وتضمحل, ويعود للخليج طيب هوائه وتعايش وألفة سكانه .