في ظل غياب مدونة الأحوال الشخصية, والخطوات الحذرة المترددة التي تخطوها المؤسسة العدلية باتجاه (تقنين الشريعة), حتما سيكون تأسيس صندوق النفقة هو خطوة ايجابية كبرى في تفعيل الدور المؤسسي الاجتماعي للوزارة. فالمؤسسة العدلية هنا تدخل بثقلها لحماية مستحقي النفقة من مواطنات وقصر من جور غائبي المروءة, والمتقاعسين عن مسؤولياتهم, وسيبدو حتما هنا تأسيس الصندوق هو خطوة أولى إلى غرفة معتمة مليئة بالملفات المؤجلة والمعلقة, والتي تتعلق بالتعقيدات الإدارية المتعلقة بحقوق النفقة. وستكون مهام الصندوق هي ضمان صرف النفقة للمستفيدين دون تأخير, حتى قبل صدور الحكم القضائي بصرفها, ولاحقا سيتعين على الزوج المحكوم عليه بالنفقة سداد المبلغ. ولكن لنتوغل قليلا في ماوراء الحكم القضائي, يظهر هنا السؤال ما هو مقدار النفقة, وعلى أي أساس سيحددها في ظل غياب قانون واضح بهذا الموضوع ؟؟ فكما هو متفق عليه فالنفقة تشمل المسكن والمأكل والملبس والتعليم ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ). وأجر الرضاعة أيضا للوالدة كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ). لكن من يحدد المقدار في ظل تغير الأحوال والأزمان, ومقدار التضخم السنوي الذي يصيب الاقتصاد؟ هل هي نسبة معلومة تتمدد وتتقلص بنسبة وتناسب مع دخل الزوج؟ فإننا نسمع بعض القضاة يحابون الوالد أحيانا ويخصصون نسبا ضئيلة للغاية والحد الأدني من الدخل , تتراوح بين 300-500 ريال قد لاتفي بمشوار الليموزين لأم تراجع في المحاكم !! فهل هناك دراسة من جهة خارجية مستقلة توضح حد الكفاية للحياة الكريمة داخل الأسرة؟ كتلك التي قامت بها مؤسسة الملك خالد ؟ أيضا في مايتعلق بالمتاع الذي يدفع للمطلقة, فهو غائب تماما عن المدونة الفقهية لدينا رغم الآية الصريحة في هذا الموضع قال تعالى: (َلِلمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) أيضا في قوله (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُه) . فالمتاع أو مال المتعة (لاعلاقة لهذا بزواج المتعة هنا) لكن هو كما يعرفه الفقهاء ( اسم لمال يدفعه الرجل لمطلقته التي فارقها، بسبب إيحاشه إياها بفرقة لا يد لها فيها غالبا ). ونفقة المتاع واجبة وفق نص قرآني صريح , ورغم أنه (لا اجتهاد في نص) إلا أننا نتفاجأ بفرية غياب هذا النوع من التعويض والنفقة تماما داخل المدونة الفقهية المحلية , بل على العكس من هذا نجد أنه عبر الجور الفقهي الذكوري لم نعد نسمع إلا بأموال الخلع , والأموال التي تفتدي المرأة نفسها بها من علاقة ظالمة . هذه الملفات الثقيلة جميعها بين يدي وزير العدل, ونقدم له وافر الشكر على الخطوة الأولى في صندوق النفقة والتي تستلزم خطوات لاحقة لتحريك ومعالجة الملفات المهمشة والغائبة التي هي لازمة من لوازم مفهوم النفقة نفسه .