يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن الشعر ديوان العرب. والأمر كذلك ماذا عن النثر؟ النثر هنا في ثنائية مع الشعر هو النثر الأدبي، مستثنين بذلك النثر العلمي. وبالعودة إلى العصر الجاهلي سنجد أن المادة الأدبية الشعرية هي الغالبة على المشهد مع حضور الخطابة. والخطابة أقرب نوع أدبي للنثر وإن شاع فيه السجع الذي يقربه من الشعر شيئا ما. والملاحظ أن النثر في الجاهلية كان متأثرا بالشعر. لكن كما ذكرت في المقالة السابقة، أن مع دخول العصر العباسي القرن الثاني والثالث الهجري، بدأت التحولات الأسلوبية نحو تماهي الشعر مع النثر عكس ما كان عليه الأمر قبل ذلك. لعل أول نثر أدبي في أوائل العصر العباسي هو نثر ابن المقفع الذي نقل إلى العربية كليلة ودمنة وكتاب الأدب الكبير في شؤون الملك والأدب الصغير في تهذيب النفس. وابن المقفع فارسي أسلم متأخرا، لكن ما نقله ليس أدبا عربيا بالمعنى الكامل كونه ترجمة. وإنما بلغ النثر غايته عند الجاحظ حيث توسعت أغراضه من النقد الأدبي إلى النقد الاجتماعي والأدب الساخر. ولعل من جاء بعد الجاحظ لم يستطع تجاوزه، فقد ظل النثر متأثرا بالتاريخ حيث سيطر النقل على مجمل ما كتب في النثر الأدبي، سواء كان ذلك صراحة أو ضمنا. ومع شيوع النثر الأدبي وازدهاره ومنافسته للشعر إلا إنه لم يستقل بأدواته تماما، فظل يعتمد على المنهج التاريخي أو الوصف الاجتماعي. ولذلك لم يصل النثر إلى الشكل الروائي الحديث إلا من خلال أمثلة يسيرة كألف ليلة وليلة ورسالة الغفران. إن التشابه بين سيرة النثر في العصر العباسي وسيرة النثر في العصر الحديث في المملكة حاصل لوجود ذلك التصاعد نحو أدب نثري ذي شخصية مستقلة على أرض شعرية سابقة. ففي المملكة، أخذت الرواية ما يقرب من ستين سنة حتى ترسخت أقدامها في المشهد الأدبي. وقد كان الأدب في الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية يمر بطور من أطوار الجاهلية خصوصا في المنطقة الوسطى. لذلك أخذ الأدب الحديث منحى يشبه إلى حد بعيد التطور الأدبي الذي مر بالعصر الأموي إلى العصر العباسي. ولعل تجربة أبي العلاء المعري تشير إلى اكتمال التجربة الشعرية والنثرية في الأدب العربي في شخص واحد، كما لو أن نيل الشعر ونيل النثر تمازجا في مدينته. وكما أن أمثال المعري قلائل في وقته فإن أمثاله ما زالوا قلائل في العصر الحديث.