"خطأ طبي واحد قد يودي بحياة مريض، لكن خطأ تربوي وتعليمي واحد قد يودي بحياة جيل بأكمله". للعلم صولة وجولة لا تعرف من خلال كم الكتب الموجودة في أرفف مكتبات المدراس أو الجامعات، ولا من خلال ترصيع شعار الجامعات أو إدارات التعليم، ولا من خلال عدد الخريجين في كل عام دراسي، وليست أيضاً في عدد المتفوقين دراسياً، لكنها تكمن في كل شارع تسير فيه وتجد من يحترم المار فيه، وفي كل جدار لم تصله يد عابث ليغير ملامحه، وفي كل حي لا تزعجه أصوات إطارات السيارات من جراء التفحيط، وفي مكان تدخله فتجد من يبتسم في وجهك، وفي كل منتزه تزوره في الصباح تجده نظيفاً فتعلم أن من أمضوا الليل فيه كانوا بشراً وليسوا قطيعاً من الدواب، وفي كل دائرة حكومية ترتادها فتجد من يقول لك هل أنت راض عن الخدمة المقدمة لك؟ وفي كل بلد تسافر إليه وتجد الإنسان هو الإنسان دون تغير في الهيئة والسلوك. تلك هي ثمرات التعليم في جميع بقاع الأرض وقد قال أرسطو -إن جذور التعليم مريرة الطعم لكنها حلوة الثمار-، فهل منحتنا مؤسساتنا التعليمية حلو الثمار...! لا تحتاج الأمم كثرة من الحفاظ والمرددين، ولا من ينمق سيرته الذاتية بكل غث وسمين، ولا تحتاج الشعوب أفراداً لا يعيشون إلا بألقاب متى ما لم تناده بها اكفهر وجهه، تحتاج كل أمة لترتقي إلى عقول نيرة قد تلقت خلال تعليمها أساليب تعليمية ممنهجة وفق الواقع وليس وفق خيالات الإستراتيجيات البراقة. ولعل ما قالته سيدني هاريس -إن الغرض الأساسي من التعليم هو أن يتبدل المتعلم من كونه مرآة عاكسة إلى نافذة مطلة- يمثل أعلى قيمة للعلم، نعم إنه الهدف الأسمى للتعليم بأن يفتح للإنسان آفاقاً أولها الفهم بأنه شريك في إعمار هذا الكون، وليس معول هدم فيه مهما تعددت أنواع المعاول. ما يحتاجه مجتمعنا في الوقت الراهن هو جيل واع بقيمته كإنسان، وبقيمة الوطن وكيفية نقل أجمل الصور لهذا الوطن ولو بأبسطها كاحترام عادات الناس وقيمهم أثناء السفر والسياحة. التعليم وإعداد المعلم ليس سهل المناط، لكنه ليس مستحيلاً أن يدرك من خلال برامج مخصصة يتم من خلالها إعادة النظر في مناهجنا التي لا تعكس واقع الحياة ولا واقع التدفق الفكري والمعرفي في عصرنا الحاضر، تغيير التعليم يكون بجعل مهنة التعليم -وهي مهنة الأنبياء- حكراً على من هم أهلاً لها وليست مرتعاً لأكل العيش، ووظيفة لمن ليس له وظيفة. ويبدأ الإعداد لهذا الأمر مبكراً من خلال إعادة برامج الجامعات وذلك بتخصيص مسارات التعليم وفق سوق العمل وليس وفق المعدل الدراسي. ويتم إعداد معلم قدير بإعداد أستاذ جامعي رفيع قبل ذلك، ليس إصلاح صنبور الماء علاجاً لملوحة الماء، وإنما في البحث عن مصدر الماء. كيف ستعد جيلاً من المعلمين المتميزين بدون النظر في صلاحية البيئة الأكاديمية في إعداده، وكيف سنعد جيلاً صالحاً من الطلاب ما لم ننظر في صلاحية المعلم، وهل يحمل رسالة العلم والأخلاق، أم هو ممن يمسك القلم في الفصل بيد وبيده الأخرى جواله يتصفح به كل جديد في السناب الشات أو الواتس؟ ثم السؤال الذي لا مفر منه: هل كل من حصل على شهادة علمية مؤهل فطرياً ليكون معلماً وينتج جيلاً رفيعاً في السلوك؟ رحم الله شوقي حينما قال: وكم منجب في تلقي الدروس تلقى الحياة فلم ينجب ألم تحن الفرصة لكي نحول الدروس والجرعات التعليمية إلى سلوك ملموس، يشعر به كل فرد من أفراد المجتمع، ونبتعد عن التنظير الذي أثقل كاهلنا لسنين...!