بعد سردنا لأحد الجوانب المظلمة لجماعة الإخوان المسلمين بمصر، وكذا مختلف عمليات القتل والاغتيال والتفجير التي طبعت هذا التاريخ الأسود من صفحات الجماعة، سنحاول في نفس سياقات البحث والتوثيق، الانتقال إلى الحالة السورية من أجل الوقوف على تاريخ هذه الحركة، ونثبت بالدليل والوقائع تماهي أطروحات جماعة الإخوان المسلمين في سورية مع أطروحات الجماعة الأم التي تعتبر مصر عاصمتها الروحية ومركز القرار والتوجيه. تُعرِّف جماعة الإخوان في سورية نفسها بأنها جزء من جماعة "الإخوان المسلمين" في العالم وفرع للتنظيم الدولي الذي أسسه حسن البنا في مصر، وذكرت جريدة الإخوان المسلمين في عددها المؤرخ بتاريخ 21 فبراير سنة 1935م، في مواد الجماعة التي نصت على أن "للإخوان مندوبين في كثير من الأقطار الخارجية، وهم على صلة بمكتب الإرشاد العام، ويعملون معه على الوصول إلى الغاية التي تعمل لها جماعة الإخوان المسلمين، وذكرت من هذه الأقطار "الشام وفلسطين". (الطليعة المقاتلة) الجناح العسكري جزء من الإستراتيجية الإخوانية للوصول إلى السلطة (الطليعة) لجأت إلى العنف كوسيلة لحسم الخلافات السياسية كما هو نهج (الإخوان) بداية العنف كانت باغتيال الدكتور الفاضل وتوالى بحادثي مدرسة المدفعية وتفجير الأزبكية تم جمع طلاب مدرسة المدفعية في قاعة الطعام وفتحوا عليهم النار بلا تمييز 350 شخصاً قتلوا في تفجير الأزبكية بسيارة تحمل 300 كلغم من المواد المتفجرة في هذا السياق، يقول القيادي الإخواني عمر بهاء الدين الأميري: "منذ عام 1944-1945 ازدادت العلاقات والاتصالات بين إخوان مصر وسورية، وتم تبادل الزيارات والوفود والبعثات... حتى أصبحت دعوة الإخوان في مصر اليوم دعامة معنوية عظيمة للإخوان في سورية ولبنان" (موسوعة الإخوان المسلمين). ويحكي عدنان سعدالدين، المراقب العام الثالث لجماعة الإخوان في سورية، في شهادته على العصر، على قناة الجزيرة أن "جماعة الإخوان تشكلت بداية من ست جمعيات في سورية، ففي حماة، نشأت عام 1938، جماعة من المحسنين والعلماء والمعنيين بالتوجيه الديني تحت تأثير شخصية بارزة في حماة اسمه الشيخ محمد الحامد، كان يدرس في مصر وقد تأثر بالأستاذ حسن البنا، وتأثر بحركة الإخوان المسلمين، وكان دائم التردد عليهم، ودائم التأثر بهم، وقد أحبه البنا، وأحب هو البنا، وكان يأتي في الإجازات الصيفية، وقد دعا لأن يجتمع الناس حوله". انتقل مصطفى السباعي، أول مراقب عام لجماعة الإخوان بسورية، إلى مصر لإتمام دراساته العليا في الأزهر الشريف؛ حيث التقى بالإخوان المسلمين الذين قدموه إلى حسن البنا، فأعجب السباعي بالمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وبايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره واتباع أنظمة الإخوان. غير أن رواية عدنان سعد الدين لارتباط إخوان سورية بالجماعة الأم في مصر تختلف عن رواية باتريك سيل في كتابه "الأسد" وكتاب نيكولاس فاندام "الصراع على السلطة في سورية"، حيث يُصرح بأن البيعة لحسن البنا تمت سنة 1938، وهنا يقول في شهادته على العصر "في سنة 1938، حينما تأسس تنظيم الإخوان في حماة، تشكل وفد برئاسة الشيخ محمد الحامد، وذهبوا وبايعوا حسن البنا". ولعل ما يهمنا، من خلال هذه التوطئة الموجزة، هو توضيح الارتباط الأيديولوجي والعقدي لتنظيم الإخوان المسلمين في سورية بالجماعة الأم في مصر عن طريق إثبات عقد البيعة بالصيغة المعروفة، وكذا تبعية هذا التنظيم لمكتب الإرشاد العالمي الذي توجد حاضنته في مصر. وهنا يقول عدنان سعد الدين حول هذا المكتب "مكتب الإرشاد له الهيمنة الأدبية الأبوية على تنظيمات الإخوان في العالم وإن لم يكن سلطة إدارية تفصيلية...له سلطة يمكن أن نسميها سلطة أبوية روحية... ومكتب الإرشاد هو قيادة الإخوان في مصر وامتد نفوذه ليكون أدبيا قائد الحركات الإخوانية في العالم كله". الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين على غرار جميع تنظيمات "الإخوان المسلمين" في العالم (مصر، فلسطين، الجزائر...)، سعى تنظيم الإخوان في سورية إلى إحداث جناحه العسكري كجزء من الإستراتيجية الإخوانية للوصول إلى السلطة، وهو ما يعتبرونه واجبا دينيا وضرورة تكتيكية للوصول إلى ما يصطلح عليه في الأدبيات الإخوانية ب"مرحلة التمكين". غير أن الإخوان -وكما هي عادتهم- يُنكرون، تقيّة، أي علاقة لهم بتنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويتعاملون مع هذه التنظيمات الموازية بمنطق "المنطقة الرمادية" التي أصلنا لها سابقا، والتي تعتمد على دعم الأجنحة العسكرية بالقيادات والطاقات والمال من أجل الإطاحة بالنظام السياسي، ومن تم الركوب على الانقلاب العسكري، وفي حالة فشل محاولة "الخروج على الأنظمة" يكونون أول من يستنكر هذه العمليات والتنديد بها وإنكار أي علاقة لهم بهذه التنظيمات. قرائن انتماء تنظيم الطليعة بالإخوان تأسس تنظيم الطليعة المقاتلة على يد القيادي الإخواني "مروان حديد" سنة 1970 حسب رواية القيادي في التنظيم عمر عبدالحكيم، الملقب بأبي مصعب السوري، والتي ذكرها في كتابه "الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا" ص 72-73 حيث يصرح بما يلي: "بدأ الشيخ مروان حديد -رحمه الله- عمله الحركي محاولا رأب الصدع الذي كان قد حصل في حركة الإخوان المسلمين وشطرها إلى تنظيمين منفصلين في عام 1970، حيث بقي قسم منها تابعا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وترأسه الشيخ عبدالفتاح أبو غدة وكان من أهم شخصياته الشيخ سعيد حوى، علي بيانوني، عبدالله طنطاوي، عدنان سعد الدين، فوزي حمد، أمين يكن وآخرون، وتبع الجزء الأصغر أو ما سمي ب (تنظيم دمشق) للأستاذ عصام العطار الذي كان مراقبا عاما قبل الانشقاق". ويضيف أبو مصعب السوري بالقول: "انصرف (يقصد مروان حديد) لإحياء فكرة الجهاد في صفوف التنظيم الدولي الذي كان مروان تابعا ومبايعا له". كما أن نفس المؤلف يُقر أن "الجماعة عمدت إلى تشكيل جهاز عسكري خاص بها لضم كل متحمس من أفراد الجماعة في حلب ودمشق وحماة". ويعترف عدنان سعدالدين بانتماء مروان حديد مؤسس تنظيم الطليعة المقاتلة لجماعة الإخوان المسلمين في برنامج شاهد على العصر فيقول: "مروان لا يحمل نفسية التنظيم السري بطبيعته. مروان كان يجهر بالمساجد وفي الشوارع وبكل مكان بخصومته لهذه الدولة أو الحكومة التي يعتقد أنها تحارب الإسلام ثم إنه لم ينفصل عن الإخوان ولا ساعة في حياته حتى توفي والإخوان لم يفصلوه ولا ساعة أيضا طالما عايش". وعن علاقة عبدالستار الزعيم، الأمير الثاني للطليعة المقاتلة، بالإخوان المسلمين، يقول عدنان سعدالدين "عبدالستار من صميم الإخوان وقال لي أنا ما أقبل في صفوفي إلا الشخص اللي من الإخوان". ويصرح في موقع آخر من اللقاء على العلاقة القوية مع "تنظيم عبدالستار" وأنه قدمه له مساعدات مالية "شهرية" من أجل مواجهة أمور يومية ومعاشية حسب تعبيره. ونورد هنا أيضا، شهادة عدنان عقلة، زعيم تنظيم الطليعة المقاتلة الذي خلف عبدالستار الزعيم، الذي يقر بانتماء التنظيم لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث يقول في شريط مسجل ومنشور على موقع يوتيوب: "بعد استشهاد عبدالستار الزعيم، كان أول لقاء لنا بجماعة الإخوان في شهر أكتوبر أو نوفمبر سنة 1979على ما أذكر، حيث جاءتني قصاصة من علي البيانوني (قيادي إخواني)، أنهم (أي الإخوان) اتخذوا قرارهم للدخول إلى المعركة، ويطلب رأينا لتطوير المعركة للوصول إلى الضربة النهائية. فأوردنا له 22 بندا كان أولها وحدة الإخوان المسلمين في سورية، ولو أننا مستقلون تنظيميا عن الإخوان، إلا أننا لم نكن نعتبر أنفسنا خارج دائرة الإخوان المسلمين بل نعتبر أننا الذراع الحصين للإخوان المسلمين من خلال أننا نفذنا فعليا وعمليا ما أراده حسن البنا وما طرح سيد قطب رحمة الله عليهما". ويورد عدنان عقلة اللقاء الذي جمعه بإيطاليا مع القيادات الإخوانية، المناوئة لتنظيم عصام العطار، وعلى رأسهم الأب الروحي للتنظيم عبدالفتاح أبو غدة والمراقب العام عدنان سعدالدين وعلي البيانوني، ويذكر عدنان عقلة كيف أن هذا الأخير اقترح عليهم أن يشتغلوا تحت قيادتهم وعدم الخضوع لقيادة عصام العطار. الاغتيالات السياسية للتنظيم لم يشكل تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين الاستثناء في تعامل الإخوان مع المخالفين والمعارضين من خلال اللجوء إلى العنف كوسيلة من الوسائل المفضلة لحسم الخلافات السياسية، وتعتبر أبرز عمليات الاغتيال السياسي التي تورط فيها التنظيم: *اغتيال محمد الفاضل عميد كلية الحقوق في دمشق في 22 فبراير 1977 يذكر أيمن الشُربجي في مذكراته واقعة اغتيال الدكتور محمد الفاضل فيقول: "وقع اختيار القيادة على الدكتور المجرم محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق وعضو القيادة القومية لحزب البعث ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون القانونية، وهو أكبر مُشَرِّع قانوني في الشرق الأوسط وأحد العقول المدبرة في الطائفة النصيرية، من أجل تنفيذ حكم الله فيه، فقد كلفني الأخ عبدالستار باستطلاعه، وقصر مهمتنا في هذه المرحلة على الاستطلاع فقط، وبعد أن تم استطلاعه استطلاعاً دقيقاً دام قرابة الشهر قام الإخوة بتاريخ 11/7/1976 باغتياله داخل الجامعة". ويضيف أيمن شربجي تفاصيل الحادث الدموي بدم بارد فيقول: "نفذ العملية الأخ عبدالستار الزعيم، وأفرغ في جسده ستة عشر طلقة، وكان الأخ فيصل غنامة عنصر الحماية في هذه العملية بينما كان الأخ مهدي علواني سائقاً للدراجة النارية التي أقلت المنفذين وتمكن الإخوة من الانسحاب بسلام والحمد لله". إن اغتيال أعضاء الطليعة المقاتلة لمواطن سوري لم يحمل إلا القلم في حياته ولم يناصب العداء للإخوان المسلمين قط، يدل على الطبيعة الإرهابية والإقصائية لهذا التنظيم الإرهابي، ويكفي هنا أن نسرد شهادة عدنان سعد الدين في حق الدكتور محمد الفاضل حيث يقول: "محمد الفاضل كان على علاقة وثيقة بمصطفى السباعي وكان يقدره تقديرا كبيرا وحينما توفي الأستاذ السباعي وكتب فيه الرثاء، لم نقرأ رثاء أعلى وأسمى مما كتبه محمد الفاضل بمصطفى السباعي، ما كان يخطر في بالنا في أي صورة من الصور أن الإخوان هم الذين قتلوا محمد فاضل". مجزرة مدرسة المدفعية يروي لنا قائد تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين أيمن شُربجي الظروف التي أحاطت بمجزرة مدرسة المدفعية فيقول: "قرر الإخوة في حلب تنفيذ العملية التي هزت أركان النظام النصيري ألا وهي عملية مدرسة المدفعية التي خطط لها النقيب إبراهيم اليوسف ضابط أمن المدرسة والموجه الحزبي فيها وقد كان يخفي انتماءه للإخوان المسلمين وللتنظيم الجهادي المسلح وقد شارك في تنفيذ العملية عدد من الإخوة المجاهدين في حلب، وأسفرت هذه العملية عن قتل أعداد كبيرة من الضباط النصيريين الذين فاق عددهم المئتي ضابط". ويروي لنا باتريك سيل في كتابه "الأسد"، الصراع على الشرق الأوسط" عن مجزرة مدرسة المدفعية فيقول في ص 514: "وقد حدث واحد من أسوء الانتهاكات في 16 يونيو سنة 1979، عندما قتل الإرهابيون أعداداً كبيرة من الطلاب -الضباط العلويون في مدرسة المدفعية بحلب-. فقد قام أحد أعضاء التدريس، النقيب إبراهيم يوسف، بجمع الطلاب في قاعة الطعام، ثم أدخل عليهم المسلحين الذين فتحوا عليهم النار بلا تمييز". وفي شهادة أخرى، يروي عمر عبدالحكيم (أبو مصعب السوري) وقائع هذه المجزرة في كتابه "الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا" في ص 95 فيقول:" ثم صُعِّد الموقف جدا في حادثة المدفعية وذلك في حزيران 1979، حيث أقدمت إحدى مجموعات الطليعة المسلحة على إعدام (255) ضابطا نصيريا، وجرح عشرة آخرين في مجزرة جماعية في مدرسة المدفعية في حلب وانسحبت دون خسائر". تفجير الأزبكية 1981 صبيحة يوم 29 من نوفمبر سنة 1981، اهتز حي الأزبكية وسط دمشق على وقع مجزرة دموية بشعة راح ضحيتها أكثر من 350 شخص ما بين قتيل وجريح ومصاب نفذها تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين. أعلنت حينها المصادر الرسمية أن السيارة التي استخدمتها عصابة الإخوان لتنفيذ مجزرة الأزبكية كانت تحمل نحو ثلاث مئة كلغم من مادة (تي إن تي) الشديدة الانفجار. واستهدف التفجير حينها منطقة شعبية مكتظة بالمدنيين، وكان جميع الضحايا تقريبا من المواطنين العزل، ووقع التفجير في ساعة الازدحام وأصيبت الكثير من المباني السكنية بأضرار بالغة، وتطايرت أثناء التفجير أشلاء الضحايا في محيط الحادث، ولم تستطع قوى الإنقاذ استخراج بعض الجثث من تحت الأنقاض لساعات عديدة. يروي أيمن شُربجي تفاصيل الحادث بالقول: "لقد كان الانفجار شديدا إذ سمعه معظم سكان مدينة دمشق كما سمعه حافظ الأسد وأركان نظامه مباشرة وحاول الأسد الاتصال بالآمرية للاستفسار عن الخبر ولكن ما من مجيب. إن البناء بأكمله قد تحول إلى مقبرة جماعية... هذه العملية الربانية كانت انتقاما من الله سبحانه وتعالى لمسلمي سوريا وشهدائها الأبرار". إن الغرض من سرد التاريخ الدموي للطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين في سورية، ليس هو إعادة اجترار أحداث الماضي أو النبش في صفحات تاريخية يعتبرها البعض قد طويت نهائيا، بقدر ما هو ما هو إعادة تشكيل أدوات الضبط والربط في تعامل التنظيمات الإخوانية ورصد وحدة الإستراتيجية التي يرسمها الإخوان المسلمون للوصول إلى السلطة ولو اختلفت التكتيكات المرحلية للوصول إلى هذا الهدف. عصام العطار عبدالستار الزعيم عدنان عقلة محمد الحامد عبدالفتاح أبوغدة مصطفى السباعي عدنان سعد الدين إبراهيم اليوسف حادثة مدرسة المدفعية في حلب في الصحافة خبر انفجار حي الأزبكية في الصحف السورية