الزمان: ديسمبر 2010، المكان: مقر الاتحاد الدولي في زيورخ السويسرية، وقف جوزيف بلاتر على منصة مرتفعة في قاعة الاجتماعات، أمامه أعضاء اللجنة التنفيذية في "الفيفا" وجمعٌ من الحضور، ممسكاً بيده ظرفاً أبيض بداخله اسم الدولة المستضيفة لمونديال 2022، الجميع لا يعلم عنها شيئاً عدا بلاتر والمتآمرين معه على كرة القدم، فتح الظرف وأعلن أن الدوحة هي مقر مونديال 2022، خيبة أمل وصمت مهيب يتنزل على وجوه الشرفاء في قاعة الاجتماعات، وحدها البعثة القطرية من تحتفل، وابتسامات مسمومة ترتسم على شفاه الفاسدين داخل أروقة "الفيفا"، انفض الحضور وعلامة الدهشة والتعجب على وجوه المغادرين ترسم سؤالاً عريضاً: كيف لدولة صغيرة بحجم قطر لا تملك تاريخاً رياضياً كبيراً أن تفوز باستضافة أكبر حدث كروي؟ وكيف لدولة لا تصل أنديتها الرياضية إلى 20 نادياً أن تستضيف حدثاً بهذا الحجم؟ الأمر لا يعتبر سهلاً إلى هذه الدرجة، فاستضافة حدث بحجم مونديال كأس العالم تتطلب أموراً قطعاً لا تتوافر في قطر، فصغر المساحة وقلة المنشآت الرياضية وضعف البنية التحتية للرياضة القطرية كلها عوامل تعارض قدرتها على تنظيم حدث بحجم المونديال، ولقد كان لدولة المغرب محاولات سابقة كدولة عربية لكنها فشلت في أكثر من مرة أن تستضيف المونديال، فقد زاحمت على استضافة مونديال 1994 و1998 لكنها فشلت أمام الولاياتالمتحدة وفرنسا، ثم عادت للمنافسة على استضافة مونديال 2006 لكنها خسرت مجدداً أمام ألمانيا، وكانت محاولتها الأخيرة مخيبة للآمال حين خسرت استضافة مونديال 2010 لمصلحة جنوب أفريقيا، لتعلن بعد ذلك أنها ستعود لتنافس على استضافة مونديال 2026 بعد أن تقوي نقاط الضعف في الملفات السابقة، المغرب شاركت أربع مرات في كأس العالم، ولها تاريخ طويل في الرياضة ولديها عدد كبير من الأندية واللاعبين المحترفون أوروبياً، وتمتلك ملاعب بعدد كبير وتسعى لأن تستضيف منتخبات كأس العالم ورغم ذلك خسرت سباق المنافسة على استضافة المونديال أكثر من مرة ، فيما استطاعت قطر أن تكسب استضافة المونديال من محاولتها الأولى. المال وقطر، علاقة وطيدة لا تنفصل، وأمر لم يعد مخفياً عن أعين العالم، فالألمانية كلوديا روث نائبة رئيس مجلس البرلمان الألماني أكدت في وقت سابق من الشهر الجاري أن "الفيفا" منح قطر حق تنظيم المونديال لأجل المال فقط وقالت: "كيف تمنح "الفيفا" استضافة المونديال لدولة لا تمتلك تاريخاً في كرة القدم ولا تحترم حقوق الإنسان وترعى الإرهاب في أكثر من دولة ؟". ولأن المال هو لغة قطر الرسمية باستضافة الأحداث الرياضية فقطعاً إنها تعتمد عليه للحصول على استضافة البطولات الرياضية، وقد كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية في وقت سابق أن قطر دفعت قرابة 3.5 ملايين دولار لنجل السنغالي لامين دياك رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى لتحصل على شرف استضافة بطولة ألعاب القوى عام 2019، وعن تفاصيل عملية بيع تنظيم البطولة إلى الدوحة قالت الصحيفة الفرنسية: "قام صندوق قطر للاستثمار الرياضي بإجراء حوالتين قيمتهما الإجمالية 3.5 مليون دولار لصالح حساب شركة بامودزي للاستثمارات والتسويق الرياضي والتي يترأسها ماستا بابا دياك النجل الأكبر لرئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، والذي عمل لفترة من الزمن كمستشار للتسويق داخل أروقة الاتحاد". وكانت السلطات الفرنسية قد اعتقلت رئيس اتحاد ألعاب القوى ومحاميه الخاص بتهمة الحصول على أموال مشبوهة عام 2015، وفي العام ذاته أقدم السنغالي على تقديم استقالته من منصبه ومغادرة المشهد مثلما جرت عادة معظم المتورطين بقضايا فساد في الاستسلام المبكر والخروج بورقة الاستقالة للابتعاد عن الأضواء الإعلامية، وبعد خروجه من أروقة الاتحاد الدولي لألعاب القوى مملوءاً بتهم فساد ورشاوى أقيم له حفل تكريم في أديس أبابا العاصمة الأثيوبية على نفقة الاتحاد الأفريقي لألعاب القوى وكانت قطر إحدى الدول المشاركة في حفل التكريم الذي أقيم له، وقدمت له درعاً تذكارياً تسلمه من دحلان جمعان الحمد رئيس الاتحاديين الآسيوي والقطري لألعاب القوى. ولأن المال هو نقطة القوة لقطر في تحركاتها نحو استضافة الأحداث العالمية، فإنها قد تفقد هذه البطولات على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدوحة خلال الفترة الحالية بسبب استمرار الدول العربية لمقاطعتها بناءً على دعمها وتمويلها للإرهاب وإيواء الإرهابيين داخل أراضي الدوحة، ونقلت شبكة "فوكس نيوز" الأميركية أن استمرار قطع العلاقات بين قطر والدول العربية سيعرضها لأزمات اقتصادية طاحنة قد تؤدي إلى امتناع أصحاب الشركات عن دفع مرتبات العمالة الوافدة، فالأزمة الاقتصادية ستدفع أصحاب الشركات إلى تقليص عدد موظفيها أو رحيلها نتيجة عدم الحصول على مستحقاتها المالية، وشددت الشبكة الأميركية أن ادعاء السلطات القطرية بأن المقاطعة لم تؤثر على صلابة اقتصاد قطر ليس له أساس من الصحة إطلاقاً، وتبلغ فاتورة استضافة قطر لمونديال 2022 قرابة 160 مليار دولار شاملة إنشاء 8 ملاعب، وخط مترو، وإنشاء فنادق بسعة 60 ألف غرفة، وتنفق قطر أسبوعياً 500 مليون دولار على مشروعات البنية التحتية استعداداً لاستضافة الحدث العالمي.