القضايا الثقافية في العالم الإسلامي من أهم القضايا التي أنشأت من أجلها منظمة التعاون الإسلامي، وعن الدور الكبير الذي تقوم به الثقافة في التعريف بالإسلام التقينا بالسيدة المديرة العامة للشؤون الثقافية والاجتماعية وشؤون الأسرة في منظمة التعاون الإسلامي بجدة "مهلة أحمد طالبنا" في هذا الحوار: * كيف جاءت فكرة إنشاء مثل هذا القسم بالمنظمة؟ * منظمة التعاون الإسلامي منظمة سياسية دولية مهتمة بالغ الاهتمام بالقضايا الثقافية في العالم الإسلامي، بل سأذهب إلى أبعد من ذلك، فخير دليل على هذا الاهتمام هو أن من الأسباب والدوافع المباشرة لميلاد منظمة التعاون الإسلامي هو المساس بالهوية والتراث الثقافي الإسلامي عندما تعرض المسجد الأقصى للاعتداء عام 1969، وهو الحدث الذي وحد صف الدول الإسلامية ودفع بتأسيس هذه المنظمة الدولية لتكون المنظمة الصوت الجامع لهموم ومصالح الدول الأعضاء وعلى رأسها قضية فلسطينالمحتلة والقدس الشريف. وتم إنشاء الإدارة العامة للشؤون الثقافية والاجتماعية أساساً من أجل تنسيق العمل الثقافي بين الأمانة العامة والدول الأعضاء، وكذلك المؤسسات المتخصصة مثل الإيسسكو، والفرعية مثل إرسيكا ... فعلى الرغم من أن الجانب السياسي يحتل مركز الصدارة من نشاطات المنظمة، فإن هذا العمل الإسلامي المشترك مؤسس على المبادئ والتعاليم الإسلامية ونشر قيم الوسطية والاعتدال من أجل السلام والاستقرار والتضامن بين الدول الإسلامية على أساس وحدة العقيدة والحضارة الإسلامية. * حدثينا عن الجهود التي تمت في المجال الثقافي؟ * يعمل قسم الشؤون الثقافية أساساً على متابعة تنفيذ القرارات ذات الطابع الثقافي، وكذلك تنسيق البرامج الثقافية التي تقوم بها المؤسسات الفرعية والمتخصصة كما أسلفت، والتي تهدف إلى نشر قيم التسامح وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية وتشجيع الحوار والتبادل الثقافي والحضاري والحفاظ على التراث الإسلامي والعالمي. * وما الإيجابيات التي تمت في هذا الإطار؟ * لقد تبنى برنامج العمل العشري (2005 – 2015) الذي أقرته القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة في مكةالمكرمة عام 2005 والذي أوصى بتعزيز الحوار بين الحضارات ومحاربة ظاهرة كراهية الإسلام (ما يسمى بالإسلاموفوبيا)، وكذا برنامج عمل المنظمة حتى عام 2025 الذي أقرته القمة الإسلامية الثالثة عشرة في مدينة إسطنبول عام 2016، تزايد الاهتمام بالعمل الثقافي الإسلامي في كل تجلياته وتعابيره المتنوعة والبرامج الثقافية والفنية بجميع أشكاله وألوانه كالمهرجانات والمعارض وتنمية الصناعات الثقافية والفنية والسينمائية بمعايير أخلاقية وإسلامية. يُضاف إلى ذلك قرارات المجلس الوزاري الثالث والأربعين في طاشقند، التي دعت إلى التنسيق مع الدول الأعضاء ومؤسسات المنظمة ذات العلاقة لتطوير برامج ثقافية تهدف إلى تشجيع الحوار بين الثقافات وتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام، وحماية التراث الإسلامي خاصة المهدد منه في مناطق النزاع. ومن أبرز نتائج جهود الأمانة العامة هو اعتماد قرار الأممالمتحدة بالإجماع والمعروف بقرار 16/18 والذي تم تقديمه بالشراكة بين منظمة التعاون الإسلامي والولايات المتحدة الأميركية والهادف إلى مكافحة كراهية الإسلام في إطار حماية حقوق الإنسان وتعزيز حرية التدين ورفض استغلال حرية التعبير في الغرب لمهاجمة الإسلام والمسلمين. مما سيسهم في تصحيح الصور النمطية ونشر القيم والتعاليم الإسلامية الصحيحة. وتأتي متابعة تنفيذ هذا القرار فيما يعرف بمسار إسطنبول الذي يطلب من جميع الدول الأعضاء القيام بالتدابير اللازمة من أجل توحيد صفوف الدول الأعضاء وحماية المجموعات المسلمة المتواجدة في الدول غير المسلمة لضمان حقوق المسلم ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تعتبر اليوم شكلاً من أشكال التمييز العنصري على أساس الدين والثقافة. هناك كذلك نتائج كبيرة، لا يسع المقام لذكرها بالتفصيل، توصلت إليها كل من الأيسسكو، وإرسيكا واللتين يسميهما البعض بالأجنحة الثقافية للمنظمة نظراً لكونهما متخصصتين في الشأن الثقافي البحت. * حدثينا عن دور هذا القسم في التواصل بين الدول الإسلامية والتوعية الثقافية بالإسلام؟ * كما تعملون، إن الثقافة بصفة عامة هي مصدر التعارف والتفاهم بين الأفراد والشعوب بمختلف خلفياتهم الثقافية ولغاتهم وأشكالهم وألوانهم ولا شك أن الأنشطة الثقافية عامل أساسي لتعزيز التقارب بينهم، وتعمل الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي في هذا الجانب من خلال متابعة تنقيذ القرارات والتوصيات الصادرة من القمم ومجالس وزراء الخارجية للدول الأعضاء. وهذا في حد ذاته يعتبر جانباً مهماً من التواصل والاهتمام بالأمور الثقافية. كان ذلك في مجال إسهام المنظمة في رسم الخطط والسياسات والبرامج الثقافية بما فيها التوعية الثقافية بناء على توصيات ملوك ورؤساء الدول الأعضاء في المنظمة. وكانت آخر دورة في هذا الجانب عنوانها "دورة التعليم والتنوير طريق إلى السلام والإبداع" وهذا يبرهن على أن القادة مدركون جيداً أن للثقافة دوراً تنويرياً في بناء السلام وتواصل الأمة الإسلامية فيما بينها وتواصل العالم الإسلامي مع غيره. * ما هو دور هذا القسم في وجه الجهات التنصيرية؟ * منظمة التعاون الإسلامي منظمة دولية سياسية بالدرجة الأولى ودورها كما أسلفت، هو أن تبقى صوتاً جامعاً للأمة الإسلامية وذلك عبر متابعة تنفيذ القرارات والتوصيات وكذا الاهتمام بما تطلعها عليه الدول الأعضاء من برامج ونشاطات تنصب أساساً في تعزيز الوحدة والتضامن بين الدول الإسلامية. وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ أمتنا تعمل المنظمة على تكثيف الجهود من أجل تحسين صورة المسلم في العالم ومكافحة موجات التشويه الشرسة التي يتعرض لها الإسلام في الدول غير المسلمة، وذلك في إطار العمل الإسلامي المشترك. * ما هي البرامج المستقبلية التي تقومون بإعدادها؟ تعمل الأمانة العامة على بلورة برامج مستقبلية، المراد منها تشجيع المزيد من اللقاءات الثقافية التي تهدف إلى تعزيز التواصل بين الدول الأعضاء في إطار ما يسمى بالتعارف والتقارب الإسلامي. كما تعلمون العالم الإسلامي ينتشر من سواحل المحيط الأطلسي إلى مشارف الشرق الأقصى في المحيط الهادئ، والمجتمعات المسلمة في شمال وغرب أفريقيا وفي شرق ووسط آسيا لا يعرفون بعضهم بعضاً رغم وحدة العقيدة، والجميع يتطلع إلى معرفة ثقافة الآخر وتاريخه وعاداته، وتربطهم عوامل ثقافية مشتركة أحياناً وتشابه غريب في العادات الاجتماعية أحياناً أخرى، وذلك رغم اختلاف الألسن والجغرافيا والبيئة. كما تتجه المنظمة إلى مزيد من الاهتمام بالأعمال المتعلقة بالمحافظة على التراث، وذلك تنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس وزراء الخارجية والقمة الإسلامية بالإضافة إلى مؤتمر وزراء الثقافة في الدول الأعضاء. تهدف البرامج الثقافية المذكورة إلى الإسهام عملياً في تصحيح صورة الإسلام في العالم. وبدأنا على سبيل المثال بالندوة حول المحافظة على التراث الثقافي وحمايته في الدول الأعضاء والتي نظمتها الأمانة العامة يوم الأحد 14 و 15 مايو الجاري، وذلك بالتعاون مع جمهورية فرنسا. كما أن الأمانة العامة مقبلة حالياً على تأسيس فريق اتصال معني بمسلمي أوروبا تم تشكيله من طرف وزراء خارجية الدول الأعضاء بالمنظمة حيث يهدف إلى ضمان إقامة تعاون فعال بين الأطراف المعنية بغية وضع الإستراتيجيات الرامية إلى القضاء على خطاب الكراهية والاعتداء الجسدي والممارسات الخاصة بالتعصب والتفرقة والتمييز العنصري ومعاداة الإسلام ودعم الحوار بين الثقافات والشمولية الاجتماعية كما ذكر معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي د. يوسف بن أحمد العثيمين مؤخراً. ما دور المملكة في دعم هذا القسم وبرامجه على مستوى العالم الإسلامي؟ كانت ولا تزال المملكة العربية السعودية سباقة في دعم منظمة التعاون الإسلامي والأمانة العامة ولاحظنا في السنتين الفائتتين أن المملكة تتجه إلى تشجيع المزيد من الأعمال والبرامج الثقافية والمحافظة على التراث الثقافي على وجه التحديد، ومن المشروعات الثقافية للدول الأعضاء أذكر أن المملكة تقدمت بقرار لحماية التراث الإسلامي للعمل على توعية وتثقيف المجتمع والتعريف بالموروث الثقافي، وضرورة المحافظة عليه وحمايته وتم اعتماده بالإجماع من طرف مجلس وزراء الخارجية في اجتماعهم الماضي في طاشقند أوزبكستان سنة 2016. وهذا يجعلنا نتطلع إلى مزيد من الشراكة مع المملكة العربية السعودية في مجال التعاون الثقافي بصفته عامل أساسي لتوطيد العمل الإسلامي المشترك. د. يوسف العثيمين