ظلت الذاكرة المجتمعية تحتفظ بسجل حافل من الأحداث والأخبار والملاحم، التي سطرها الأجداد وتناقلها من بعدهم الأبناء والأحفاد، حتى أصبحت اليوم رمزاً ومحل فخر واعتزاز لأولئك الذين ورثوا مجد آبائهم وحفظوا تاريخ أجدادهم، وهم مع مرور الأعوام وتقدم الشهور والأيام حريصون كل الحرص على حفظ هذا التاريخ الحافل والسجل الزاخر، بقصص الأجداد في سابق أيامهم وسالف أزمانهم، ولا شك أن أقاليم الجزيرة العربية بسهولها وجبالها، ظلت مرتع أمجادهم وأهزوجة أحلامهم التي قضوا فيها الأفراح والأتراح، وعاشوا وتعايشوا من خلالها مع البسمات والجراح والحروب والأمن ورخاء العيش، ولأن قصائد وأشعار العرب ظلت طوال القرون السالفة والأزمنة الغابرة، هي الحافظة الكبرى والديوان الأشمل، لملاحمهم ومآثرهم وقصص آبائهم وأجدادهم، الذين لم يصل لنا من أخبارهم إلا ما نقلته الروايات الشفهية والقصائد الشعرية، ولعل الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي الذي عاش القرن الهجري المنصرم، كان إحدى خزائن التاريخ الاجتماعي، وقد ساهم برواياته وقصائده ومشوار حياته، في حفظ بعض من ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية في نواحٍ من الجزيرة العربية، على الرغم من طول مشواره مع التجارة ومن ثم مشاركته مع المؤسس -طيب الله ثراه- في توحيد البلاد، واستلامه عدد من المهام الإدارية والقيادية في عدد من المناطق والبلدات. ذاكرة اجتماعية الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي بن هاجد بن سودان من البرازات من قبيلة السهول من بني كلاب إحدى قبائل بني عامر المضرية ولد في بلدة مرات بإقليم الوشم في عام 1295ه وأمه سارة بنت علي بن موسى من آل مغيرة من بني لام، نشأ وترعرع في كنف والده الشيخ ضويحي بن هاجد الذي اكتسب منه صفات النبل والكرم، وكان والده ذو علاقات واسعة مع رجالات عصره ويحضر في مجلسه خيرة الرجال وأعيان القبائل وهو ما أكسب الشاب عبدالعزيز بن ضويحي آنذاك فرصة الاحتكاك وتعلم الخبرات ممن كانوا يفدون ويتجاذبون الحديث في قهوة والده ضويحي بن هاجد، مما انعكس فيما بعد على شخصية ابنه عبدالعزيز وجعله من أبرز رواة التاريخ والقصص التي كان كثيرا ما يرويها ويلبي طلب رواد مجلسه العامر حتى أصبح من أشهر رواة الأدب الشعبي والتاريخ في المنطقة، ولذا فإنه ساهم من خلال ذاكرته الأدبية بحفظ عدد من الروايات والأشعار النادرة التي ما زالت يومنا هذا تنسب له، ولو أنه دوّنها أو أن أحد من رواد مجالسه ساهم في جمع رواياته وأشعاره لضفر بكنز من كنوز أدبنا الشعبي ولربما استطاع جمع نوادر الأخبار والحوادث التي تثري المكتبة العربية بملامح الحياة السياسية والاجتماعية آنذاك . رحلة الحياة كان عبدالعزيز بن ضويحي من أعيان الوشم وكان معروفاً لدى الحاضرة والبادية كما كان من رجالات المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وممن أوكلت لهم المهام وعمل في عدة مجالات، حيث شارك فيما يربو على خمس وعشرين معركة من معارك توحيد البلاد كما أن حياته جمعت الغرائب والمتفرقات، حيث قطع الفيافي في مقتبل عمره، ليصل إلى مغاصات اللؤلؤ بالخليج العربي التي تسمى باللهجة العامية "الهيرات"، وقد أفرد ابنه الكاتب والمؤرخ عبدالله الضويحي بعض من حكايات ومغامرات والده في كتابه الشهير (النجديون وعلاقتهم بالبحر) والذي يقع في جزئين تناول فيهما علاقة النجدي بالبحر مستوحيا الفكرة من رحلة والده ورفقاؤه إلى البحرين. كان لرحلات ابن ضويحي دور في سعة معلوماته عن بلدان ومناطق الجزيرة العربية لا سيما إقليم نجد وقلما تزور مكانا لا تجد من لا يعرفه في تلك الحقبة التاريخية، فقد طوى نجد ونزل سهولها وجبالها وهو يعرفها كما يعرف راحة يده، ويذكر أستاذ الجغرافيا ببلدة مرات الأستاذ عبدالرحمن بن سعد الدايل أنه كان في معيته مع جماعة من أهالي مرات في أخر السبعينات الهجرية وكانوا عائدين من مكةالمكرمة إلى مرات وقد ضلوا الطريق بسبب عاصفة رملية بعد أن تجاوزوا الدوادمي إلا أن ابن ضويحي الذي كان حينها قد تجاوز الثمانين من عمره أرشدهم ودلهم على الاتجاه الصحيح إلى مرات وذلك بعد أن اخذ بيده حفنه من تراب الأرض التي كانوا يتشاورون عن المسار عليها وقد أشار بيده إلى الطريق المناسب بكل دقة وهو الأمر الذي اثأر دهشة الجميع من هذا الشيخ المسن الذي استطاع معرفة الأراضي والمسالك في حين جهلها مرافقوه الذين يتمتعون آنذاك بحواسهم وربيع أعمارهم، ولا ريب في ذلك إذا علمنا انه رحمه الله كان يتردد على البحرين والإحساء وقصر خزام وقد عمل بالظهران ومكةوالرياض، وقد كلفه الملك عبدالعزيز بإمارة القنفذة ثم بإمارة العارضة في جنوب الوطن وقد طاب له المقام وتزوج آخر زيجاته فيها كما عمل مع الأمير خالد بن احمد السديري الذي كان له حظوة عنده رحمهما الله حيث كان معه بالظهران ثم انتقل معه إلى تبوك حيث كان رئيسا للخويا ومحبوبا ومقدرا من الجميع، وكثيرا ما تروى قصص تلك الفترة بين أهالي مرات عن عبدالعزيز بن ضويحي ومجلس الأمير السديري في تبوك وبعض شوارد الأبيات والقصائد التي كان يرويها ابن ضويحي للأمير خالد بن أحمد السديري، ومنها على سبيل المثال حينما أراد مجموعة الأخوياء من أهل مرات طلب الإجازة والسماح لهم بالذهاب لمرات وقد كان من الصعب أن يوافق الأمير على طلب الإذن بالانصراف الجماعي لعدد من رجاله وموظفيه وهو ما دعى ابن ضويحي أن يرتجل قصيدة أمام الأمير خالد السديري يطلب فيها الإذن له ولزملائه بالسماح لهم قضاء الإجازة مع أبنائهم بمدينة مرات ومنها هذا البيت: يابوفهد وصلنا المرواح ***عادتك بالك تخليها فوافق الأمير وقال تستاهلون الرخصة يابن ضويحي أنت وجماعتك أهل مرات. تنقل وارتحال وكما ذكرنا فقد أمضى الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي مقتبل شبابه في الغوص حيث ارتحل إلى سواحل الخليج العربي إلا انه لم يستمر طويلا حيث لبى نداء جيش الملك عبدالعزيز بمعية أخيه الأكبر الفارس والشاعر محمد بن ضويحي الذي توفي رحمه الله في معركة البكيرية عام 1322ه ومن ثم شارك عبدالعزيز بن ضويحي في جميع معارك الملك عبدالعزيز كما شاركه أخوه حمود الذي توفي رحمه الله في مرات سنة 1348ه، أما عبدالعزيز فقد انتقل عمله إلى قصر السقاف بمكةالمكرمة سنة 1346ه وعمل معه في تلك الفترة ابنه محمد بن عبدالعزيز بن ضويحي (1323-1371ه) الذي بدوره تدرج بالعمل حتى صار رئيسا للهجانة بمكةالمكرمة ومن ثم انتقل إلى العمل بقصر الملك عبدالعزيز بمرات حتى توفي بها 1371ه. مهمة خاصة أوكل لعبدالعزيز بن ضويحي عدد من المهام والأعمال فكان مثالاً للإنجاز والمثابرة ويذكر أنه لبى النداء للقيام بإحدى المهام المناطة به صبيحة إحدى زيجاته حيث يذكر ذلك ابنه المؤرخ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي فيقول: في صبيحة زواج والدي من والدتي عام 1348ه وعندما كان في ضيافة احد الأهالي في مرات يتناول الإفطار كما هي العادات قديما تقول والدتي: أن رجلاً طرق علينا الباب بعد الفجر فكان أحد رؤساء الحملات الخاصة بجيوش الملك عبدالعزيز يسأل عن عبدالعزيز بن ضويحي فأخبرناه انه في ضيافة احد الأهالي فطلب مقابلته وما أن رآه حتى لبى ما أتي في شأنه فعاد إلى البيت وجهز راحلته وتقلد بندقيته وودع الأهل ورافق الحملة إلى معركة (الدبدبة) عام 1348ه ويضيف ابنه عبدالله قائلاً: لقد شارك والدي في أكثر من خمس وعشرين موقعة ومعركة مع الملك عبدالعزيز كانت بدايتها روضة مهنا سنة 1324ه إلى ما قبل توحيد المملكة وله قصص وحكايات وقصائد شيقة كان يرويها على أمير المنطقة الشمالية بتبوك الأمير خالد السديري رحمهما الله ومن ثم يتناقلها الرواة، ويضيف: وعادة ما يكون رحمه الله من خلال تنقلاته همزة وصل بين الناس في كل بلد يزورها حيث يحمل الرسائل والوصايا وغيرها وذلك ثقة فيه وما عرف عنه من الحرص في زمن يصعب فيه التواصل وينعدم فيه الأمن قبل توحيد البلاد، وبما انه كان كثير الأسفار والترحال بين أطراف الجزيرة العربية فعادة ما يرد اسمه في ثنايا الرسائل التي كان يحملها بين مرات وخارجها. وقد تولى الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي إمارة القنفذة وبعدها العارضة ثم انتقل إلى العمل في قصر خزام بالأحساء مع الأمير خالد بن أحمد السديري وبعدها انتقل مع الأمير السديري إلى تبوك، وقد اشتهر عنه شدة التدين والصدق وكثيرا ما تدون شهادته في الوثائق القديمة التي يعرفها وقد ورد اسمه في العديد من الوثائق القديمة في مرات أو ما جاورها، وكان محبوبا من الجميع ذو سيرة عطرة وكان محتسبا وجادا في أمور الدين وعرف عنه قرع الأبواب لإيقاظ الناس قبيل صلاة الفجر وهو متجها للمسجد وكان غالبا ما يقضي وقته بين مجلسه في منزله وبين مجلس إمارة مرات كما كان الجميع يحرص على مجالس موكان حريصا على مظهره وقد بلغ من العمر عتيا ولم ينزل العقال من على راسه ولا عباءته (المشلح). إخوته محمد ولد في مرات 1288ه فارس وشاعر كان له حظوة عند الملك عبدالعزيز فهو من رجاله المقربين وقد توفي رحمه الله في معركة البكيرية سنة 1322ه وقد أمر الملك عبدالعزيز بفرس أصيلة لمن يبشره بأن محمد بن ضويحي لا زال حيا بعد معركة هذه المعركة نظرا لما رأه من شجاعة وصدق الولاء، وقد رثاه أخاه عبدالعزيز بن ضويحي بقصيدة منها: يالعين وش فيك ما تبكين *** هلي دموعك وهاتيها على محمد طواه البين *** والنفس شانت طواريها حمود ولد بمرات 1293ه واسمه عبدالله وطغى اللقب على الاسم كما جرت العادة في ذلك الزمان وأصبح اسمه حمود ولم يعرف بعبدالله بعد ذلك إلا بين الخاصة من الأقارب، وقد رافق إخوته في جيش توحيد البلاد كما شارك في اغلب جيوش الملك عبدالعزيز وله قصة مشهورة في معركة جراب مع أخيه عبدالعزيز وتوفي رحمه الله في مرات إثر مرض أصابة سنة 1348ه. عبدالرحمن ولد في مرات سنة 1309ه 1891م (سنة المليداء) وعمل بالتجارة وسافر في مقتبل حياته إلى البحرين مع مجموعة من أهالي مرات للغوص وتجارة الؤلؤ ولم يمكث طويلا وعاد إلى مسقط رأسه وزاول التجارة حتى أصبح من كبار التجار الذين يشار إليهم بالبنان وكان ممن توكل له المهمات الجسام في مرات مثل الإشراف على بناء قصر الملك عبدالعزيز بمرات وكذلك ما يخص استقبال الملك وتهيئة ما يلزم للزيارة بمشاركة الشيخ عبدالرحمن السبيعي متصرف بيت المال بالوشم حيث كانت تجري بينهما المخاطبات بشكل دائم عن طريق اللاسلكي أو من خلال المكاتبات الخطية المباشرة أو من خلال تحويل خطابات الملك عبدالعزيز التي تصل إلى السبيعي حيث يشرح عليها الشيخ عبدالرحمن السبيعي ويحيلها إلى عبدالرحمن بن ضويحي بعبارة (ابن ضويحي سنعوا لهم ذلك) أو يكتفي بعبارة (ابن ضويحي) توفي رحمه الله في مرات عام 1385ه، تزوج عبدالعزيز بن ضويحي رحمه الله أكثر من زيجة فامرأته الأولى هي رسما آل غزاي الرويس من عتيبه وانجبت ابنه محمد ثم تزوج من آل روضان من تميم ثم تزوج من آل خريف من تميم ثم من آل طريف من الأشراف من أهل الشمس وهي سارة بنت فهد بن خلف بن طريف وهي أم أبنائه الباقي عقبهم حتى اليوم وهم ضويحي الذي توفي شابا لم يتزوج وسعد وعبدالله وكذلك قد تزوج بالقنفذة والعارضة إبان توليه الإمارة بهما. أبناؤه وكان له من الأبناء محمد الذي رافق والده في بعض أسفاره وعمل بالسلك العسكري كما عمل ضمن رجال الهجانة في مكةالمكرمة في قصر السقاف وكان ماهرا في العروض العسكرية وفي متوسط عمره انتقل للعمل في تبوك مع الأمير خالد السديري إلى أن استقر به الحال في بلدة مرات حيث عمل في قصر الملك عبدالعزيز حتى وفاته رحمه الله عام 1371ه في مرات، أما ابنه سعد فكان من رجالات التعليم الأوائل بدا معلما في مرات 1378ه ثم انتقل إلى الرياض بمعهد الأنجال ومن ثم معهد العاصمة النموذجي اشتهر بأعماله الإنسانية والخيرية وبناء المساجد ودور التحفيظ وكان يملك حافظة جيدة تمتاز حيث ورث والده في حفظه للأشعار والروايات والقصص الأدبية وقد توفي رحمه الله بالرياض في شهر رمضان عام 1431ه، أما ابنه عبدالله فقد انتقل إلى الرياض حيث درس المرحلة المتوسطة ونال شهادة معهد المعلمين الثانوي بالرياض 1390ه وعين معلما في عين الصوينع بالسر ثم انتقل إلى مرات وقد حصل على شهادة الليسانس من الكلية المتوسطة كما أنه كان مهتماً بالتاريخ والأدب ويقرض الشعر الفصيح و العامي وأجاد بالبحث والتأليف عن بلدته مرات وأثارها و موروثها وله العديد من المقالات والدراسات بين الصحف والمجلات والعديد من الكتب منها مرات بلد امرئ القيس وكتاب النجديون وعلاقتهم بالبحر في جزأين وكتاب الإبداع الفني في الشعر النبطي القديم وكتاب مرات "سلسلة هذه بلادنا" وكتاب لمحات من تاريخ مرات وهو مجلد ضخم و نفيس يربوا عدد صفحاته على سبعمائة صفحة. وفاته تقدمت السنوات وانحلت حبال ربيع العمر وخط الشيب بمفرق الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي ملامح خريف العمر، ما دعاه للبقاء في بلدته التي لطالما بادلها العشق وتغنى بها في قصائده ومروياته "مرات" التي قضى فيها رحمه الله أواخر عمره إلى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة عام 1388ه، حيث أغمض أبناء الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي عيني والدهم الذي انتقل إلى البارئ الأعلى بعد حياة حافلة بالرحلات وقطع البيد والمفازات، لتبقى رواياته وأشعاره ونوادره وأخباره بمثابة مدوّنة أدبية وصفحة من صفحات سير أولئك الرجال. منزل الشيخ عبدالعزيز بن ضويحي آنذاك أحد المكاتبات لابن ضويحي في ذلك الوقت أوكلت لابن ضويحي مهام عدة وكان مثالاً في الإنجاز والمثابرة والصدق ساهم ابن ضويحي برواياته في حفظ ملامح الحياة الاجتماعية في عصره