الوقاية مطلب ضروري للفرد والمجتمع في كافة المجالات. الوقاية من الأمراض، الوقاية الفكرية، الوقاية من المخدرات، الوقاية من حوادث المرور، الوقاية من العنصرية، وغير ذلك من الأمراض والمشكلات، والعادات السلبية. إن الدور التربوي للمدرسة دور جوهري يتطلب الاهتمام بتأهيل وتدريب وتطوير أداء المعلم إلى المستوى الذي يؤهله للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ليستقبل المجتمع في النهاية طلاباً يجمعون بين العلم والأخلاق، يحترمون الأنظمة برقابة ذاتية ويتمتعون بالمصداقية ويقدرون قيمة العمل والتفاعل الإيجابي مع قضايا المجتمع يبدو أن العالم اليوم يتعامل مع مشكلاته وأزماته -وهي كثيرة- بالعلاج والمسكنات والحلول القانونية والأمنية. أخطر الأزمات في هذا العصر هي الأزمة الأخلاقية والثقافية. أزمة نتفرج على أعراضها في ميادين الحياة المختلفة. نبحث عن الأدوية التي تخفف الألم وتقلل الخطر، وتغيب الحلول الوقائية الكامنة في التربية والتعليم والثقافة. الأزمات السياسية العالمية يناقشها السياسيون دون مشاركة العلماء والمثقفين والتربويين. التطرف الفكري ومنتجاته داء يعالج وقائياً بدواء التعليم، ويعالج أمنياً بالقانون. وهذا مبدأ ينطبق على ممارسات سلبية أخرى مثل العنصرية والاعتداء على حقوق الآخرين، ونشر الاشاعات، واتهام الناس بالباطل. لكن ما يحصل في الغالب هو أن الحلول الوقائية المستقبلية لا تأخذ حقها من الاهتمام. تأجيل هذه الحلول يفاقم المشكلات ويحولها الى أزمات يصعب التعامل معها بسبب تأخر الحلول الوقائية وأحياناً غياب هذه الحلول. لا يحتاج الباحث الى دراسات ليثبت وجود الأزمة الأخلاقية والثقافية، يكفي أن يتابع نشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. سيجد الاحتقان والتطرف والكراهية والتسرع في إصدار الأحكام والتكفير والتقرير قبل التفكير. إلى جانب العنف والقتل وغياب الحكمة. سوف يكتشف الباحث أن أدب الحوار والتسامح والموضوعية هي ممارسات نادرة تقع في خانة الاستثناء. سوف يلاحظ أن المحاضرات وبرامج التوعية تأثيرها محدود لأنها كان يفترض أن تكون ثقافة تربوية تزرع في شخصية الإنسان منذ طفولته. التربية في المدارس منذ الطفولة هي الوقاية، هي الرقابة الذاتية، هي الانضباط، هي ممارسة الأمانة والصدق والإخلاص في العمل واحترام حقوق الإنسان وتجنب الممارسات المخالفة للدين والقوانين. سوف يكتشف الباحث أن ضعف الدور التربوي للمدرسة كانت نتيجته كثافة برامج وحملات التوعية لسد الفجوة الكبيرة بين القيم التي يؤمن بها الإنسان وبين ممارساته. أما تأثير تلك البرامج والحملات فهي موضع بحث. هنا تكون المدرسة (التربية والتعليم) هي الأساس الأول ليس لاكتساب المعارف والمهارات فقط وإنما قبل ذلك اكتساب السلوك والمهارات الأخلاقية والتفكير الإيجابي والاتجاهات البناءة وذلك من خلال ثقافة دينية تقدم بطريقة تنعكس على السلوك، ومن خلال طرق تعليمية وتربوية تركز على بناء شخصية الطالب بكافة جوانبها. حين نقرأ رؤية التعليم 2030 نجدها تتضمن أهدافاً جميلة منها سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وتفعيل البحث العلمي، وتطوير التعليم العام، وإيجاد بيئة تعليمية محفزة على الابتكار والإبداع. كما تتضمن تفاصيل كثيرة تتعلق بالمعلم وبيئة المدرسة وتطوير الأنظمة الإدارية والتقنية إلخ.. حديثي في هذا المقال هو عن البيئة التربوية ومخرجاتها من الممارسات مثل الانضباط وتحمل المسؤولية والانتماء والولاء والمشاركة واحترام الأنظمة والقوانين واحترام التنوع الثقافي، والقدرة على ممارسة الحوار الموضوعي والنقد الذاتي. سيوجد دائماً من يخالف النظام، وسنقول دائماً: من أمن العقوبة أساء الأدب. وسوف يستمر البعض في ممارسة عادات غير مقبولة وبعضها يتعارض مع القيم الدينية. وعندما تتحول بعض الممارسات السلبية إلى ظاهرة أو عادة يكون السؤال المتكرر هو: لماذا لا نستهدف الرقابة الذاتية في مدارسنا منذ الطفولة؟ الرقابة الذاتية هي الإجابة الحاضرة عند مناقشة مشكلات أو سلوكيات اجتماعية أو عادات سيئة. الأنظمة والقوانين موجودة في كل المجتمعات ولم توضع الا للتطبيق. ولكن ما هي البرامج والأنشطة والأساليب التي تنمي الرقابة الذاتية في المدارس والجامعات؟ ما هي البرامج التي ستحبب الطلاب بالعمل وتدربهم على الجدية والمشاركة؟ وهل تتاح الفرص للطلاب للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تخص بيئة المدرسة وأنشطتها؟ هل الطالب متلقٍ للمعلومات ليحفظها ليجتاز الاختبار ثم يعبر عن فرحه بتمزيق الكتاب؟ إن مشاركة المعلمين والمشرفين في إدارة المدرسة غير كافية لتحقيق الأهداف التربوية التي نتحدث عنها. مشاركة الطلاب في شؤون المدرسة وسياساتها وأنظمتها هي تدريب تربوي عملي سينتقل مع الطالب إلى المجتمع ليتحول إلى ثقافة وسلوك. إن الدور التربوي للمدرسة دور جوهري يتطلب الاهتمام بتأهيل وتدريب وتطوير أداء المعلم إلى المستوى الذي يؤهله للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ليستقبل المجتمع في النهاية طلاباً يجمعون بين العلم والأخلاق، يحترمون الأنظمة برقابة ذاتية ويتمتعون بالمصداقية ويقدرون قيمة العمل والتفاعل الإيجابي مع قضايا المجتمع. وهناك تجارب ناجحة لكثير من المعلمين في تفعيل الدور التربوي، هذه التجارب يجب الاستفادة منها وتعميمها وتكريم أصحابها تقديراً مستحقاً للمعلمين المتميزين المبدعين الذين يقومون برسالتهم بكل إخلاص ويمثلون قدوة للطلاب بأخلاقهم وأساليبهم التربوية.