الحديث عن المسرح السعودي يحملنا على التعبير عنه ببعض الشجن، وذلك لأنه حصد عشرات الجوائز عربياً وخليجياً خلال الأعوام القليلة الماضية برأس مال إبداعي مميز وأقل الإمكانيات، مع غياب واضح للدعم المسرحي محلياً، واختصار دعمه في شكل رمزي جداً لا يرقى لحجم النجاح الذي مثل به المسرح السعودي الوطن في المحافل العربية. على مسرح سوق عكاظ كانت آخر جملة ختمت بها مسرحية "نعش" للكاتب المسرحي المتألق (إبراهيم الحارثي): "لنعود لكن دون أن يفكر أحد أن يصادر حياة الآخر منا". بفكرة مميزة ونص رائع يناقش مجموعة من الموتى الذين تأخر دفنهم بطابع كوميدي ودرامي الهموم والإشكاليات المؤرقة للشباب العربي الذي تغيب الطاقات والإبداعات المكنونة بداخلهم، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يخوضونها في مجتمعاتهم بطريقة فلسفية حوارية ممتعة، ويدور الحوار بين الشخصيات بسلاسة وإتقان عالٍ. " دفنت نفسي كثيراً وأنا حي، وتريد مني الآن أن أدفن نفسي ميتاً!" يتساءل الموتى بينهم عن موعد دفنهم وينتظرون من يأتي لدفنهم بلا جدوى، ويقررون إجراء قرعة ليتم اختيار من يقوم بدفنهم من بينهم، ولكن القرعة لا تنجح ويختلفون حولها كثيراً، ويخرجون إلى جدالات جانبية شكلت جزءاً من حياتهم عندما كانوا أحياءً، وربما يحمل هذا الجزء إشارة ضمنية من الكاتب إلى فشل المشروع الديمقراطي في العالم العربي حتى الآن، ومدى الصراعات التي تكتنف وجوده ونجاحه، ويمضي المشهد دون أن يصلوا إلى نتيجة. لن يخفى على من حضر المسرحية إبداع الحارثي في تضمين فلسفته ورسائله من خلال العمل، وكان لأداء الممثلين المدهش دور جوهري في اكتمال جمال النص وهو ما يظهر جزءاً من الطاقات الفنية المتعددة لدى الشباب السعودي على المسرح الذي يعتبر النجاح فوق خشبته أعلى درجة يحققها الممثل في مسيرته. "عشت خائفاً فلا تكن خائفاً وأنت ميت". وظف الحارثي مقاطع غنائية بصوت الممثلين للسيدة فيروز والراحل وديع الصافي فأضاف للمسرحية اللون العربي وتجاوز المحلية، وأذكى جو المسرحية الذي لا يحتمل فقدان التركيز بالمقطعين المتناغمين مع نسق العرض المميز. بالمجمل يمكننا الملاحظة بأن النصوص المسرحية السعودية تكيفت مع الوضع الاجتماعي لتصبح ذكورية بشكل مطلق، وقد يؤثر ضعف الإمكانيات الفنية البالغ على بقاء المسرح في دائرة محدودة تقاتل لتخرج من ثياب المسرح المدرسي والجامعي إلى الجماهير التي نسيته، وها نحن في انتظار أن يأخذ أبو الفنون مكانته الصحيحة مع كامل التمكين والإمكانيات، ويتجاوز العربية إلى العالمية طالما حصد كل هذه الجوائز بوجود إبداع المؤلفين السعوديين.