أعتقد أن المشروع المشترك بين المملكة والولاياتالمتحدة (اعتدال) قد يصل لنفس النتيجة التي توصل إليها أوليفيي روا والشيخ ابن حميد، وهي أن الإرهاب إنما هو فعل دول وأجهزة لتحقيق مصالح، وقربه من «الشبيبة» أظهر من علاقته بالتدين.. الإرهاب قصة ولدت من رحم غير عفيف، وسجلت الخطيئة باسم الدين، والشهود أربعة: التعليم الديني، وخطب الجمعة، والكتاب الإسلامي، وتراث ابن تيمية. أما المدعي العام فكل من يكره الدين والمتدينين لأسباب موضوعية أو تجارب شخصية. وإذ أقرر ذلك فإنني أستثني علماء لهم رؤية نقدية للتراث الإسلامي، وهم مجتهدون يطبقون آليات علمية ولا ينطلقون من مواقف شخصية بحتة. المفكر الفرنسي الكبير أوليفيي روا في كتابه (الجهاد والموت) أخذ المعركة مع الإرهاب إلى منحى لم يسبقه إليه أحد على حد علمي حيث ربط الإرهاب بالفئة العمرية (الشباب) ويشرح ذلك بأن "الربط بين الموت والشبيبة ليس مسألة ثانوية أو تكتيكية صرفة ولكن الاعتداء الانتحاري الذي ينفذه الشباب سيكون اكثر فعالية، والتلاعب بعقول الشاب المراهق سيكون اكثر سهولة". ويدفع بأن دعوى الخلافة التي يرفع الإرهاب لواءها تتعارض مع قتل النفس، فالإنسان مستخلف لعمارة الأرض، وإذا كان يتعمد قتل نفسه فإنه لا يخطط للبناء والحياة، وإنما للعدم. ويسفه الباحث مزاعم الذين يتهمون السلفية بأنها تقدح في أذهان الشبان المسلمين فكرة الجهاد ومن ثم الانضواء تحت بيرق الظواهري أو البغدادي، مؤكدا أن هذا اللبس لا يستند إلى منطق أو دليل قطعي: "فالسَلَفية التي نتّهمها بكل السيّئات، تُدين الانتحار، لأنه يستبق مشيئة الله. وما يثير قلق السَلفية قبل أي شيء آخر، هو تقنين تصرّفات الفرد: فهي (أي السلفية) تنظّم كل شيء، بما في ذلك استخدام العنف. والسَلَفي لا يسلك طريق البحث عن الموت لأنه مهووس بالأمان، كما أنه يحتاج إلى الحياة للاستعداد للآخرة في ختام حياة يعيشها وفقاً للأصول والطقوس الدينية". لا شك أن هذا المفكر يجد نقدا شديدا من أقرانه في فرنسا الذي يرون عكس ذلك، بيد أن أكثر النقد إيلاما هو ما سيأتيه من بعض المسلمين الذين يرونه مجاملا للسلفية وللإسلام عموما مع أنه غير مسلم وليس من أصول مسلمة ومصلحته في مقابل هذا الطرح تماما. لا أميل إلى تهميش الرأي المعارض خاصة إذا كان لديه أدلة منطقية تؤكد ضلوع المدرسة الإسلامية، وخطبة الجمعة في تفخيخ عقول الشباب المنتحر، ولكن حتى يكون تجريمهم للدين الإسلامي والتدين الحقيقي مقبولا فإنهم مطالبون بعمل إحصائي للمنتحرين وعلاقتهم بالتعليم الديني، والمدارس الإسلامية السلفية أو ما يسمونه الوهابية. ربما في هذه الحال نضع أيدينا على لب المشكلة ونتصرف بناء على تلك النتائج. وفرضيتي أن النتائج ستكون على النقيض، فالانتحاريون في العموم أصحاب سوابق جنائية، وتعاطي وترويج، وهم من التائبين الذين يقال لهم بأن لا طريق لهم إلى رحمة الله سوى سبيل الانتحار. خطاب الشيخ الدكتور صالح بن حميد في نيويورك الأسبوع الماضي في تجمع للقيادات الدينية العالمية يطرح ظاهرة الإرهاب بشفافية، ويصفها بأنها: "صراعات تدور في أماكن عدة من العالم، وهو في جوهره صراع سياسي وصراع مصالح، لكن بعض الجماعات المتطرفة والمتطرفين توظفه من أجل غايات وتلبس لبوس الدين والدين منه بريء، إنها بذلك ممارسات العنف باسم الدين وحروب الإبادة المتبادلة التي أصبحت في عالم اليوم إحدى مهددات السلم الإنساني والاستقرار الوطني في أكثر من منطقة من مناطق العالم، حيث بلغت الصراعات الدينية في الشرق الأوسط ومناطق من آسيا وأفريقيا على أيدي الجماعات الإرهابية مبلغاً مخيفاً، وأصبح القتل باسم الدين مبرراً في الكثير من ممارسات العنف التي تتسبب فيها هذه الجماعات الإرهابية والإرهابيون". أعتقد أن المشروع المشترك بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة (اعتدال) قد يصل لنفس النتيجة التي توصل إليها أوليفيي روا والشيخ ابن حميد، وهي أن الإرهاب إنما هو فعل دول وأجهزة لتحقيق مصالح، وقربه من "الشبيبة" أظهر من علاقته بالتدين. أما جلباب الدين فقد خلعه المخططون على المنفذين لتكريس فسطاطي الإسلام والكفر، مما يدفع جماهير الطرفين للتنمر، ورفد معسكر الإرهابيين بشرعية تمثيل الإسلام. الولاياتالمتحدة هي الدولة التي تتسلم ملف الإرهاب ولا ينازعها في ذلك أحد، ولكن المملكة العربية السعودية هي الدولة القادرة على إثبات أو نفي علاقة الإسلام والتعليم الديني بالإرهاب.