حينما يرتبط الإعلام بالثقافة فذلك يتطلب أن يكون الإعلام ناصعاً متحرراً من التوجهات التي يمكن أن تؤثر عليه، فالإعلام في حقيقته هو فعل ثقافي في المقام الأول؛ ذلك لأن الهدف منه في حقيقته يجب أن يتمثل في رفع مستوى سمو الإنسان ودفعه إلى مناطق الترفع عن كل شيء سوى الجمال والإبداع والسلام والمحبة فتلك مفاهيم أساسية من فعل الثقافة والثقافة في عمقها تأتي وتنمو من إعلام يطير محلقاً في فضاء السعة والانسجام مع جميع الأشياء.. وكأن الثقافة للثقافة والإعلام يحيط الثقافة بالنمو.. ولكن السؤال الذي لطالما آلم من يرتبط بالإبداع والفنون والثقافة والكتابة كيف للإعلام أن يتحرر من شوائب الأجندة والتوجهات الخفية للسياسات خاصة حينما يرتبط ذلك بفعل الثقافة وذلك ما يمكن أن ينطبق على الإعلام القطري اليوم؟ فهل استخدمت قطر الخطاب الإعلامي لتمرير أجندتها السياسية الخفية من خلال قناة الجزيرة ومن خلال شراء أصوات من دول الخليج خصوصاً تلك الأصوات التي بها نبرة "المناقدة"؟ وهل يمكن لنا أن نجزم هنا أنها استقطبت مثقفين عرب حتى تستخدم البرامج الثقافية كغطاء لأنشطة وأجندة سياسية؟ الحرز: المثقفون ليسوا سواسية وهناك من رفض المشاركة رغم الإغراءات عقدة الحجم: يقول عبدالله بن بجاد العتيبي -كاتب سعودي ومهتم بالشؤون السياسية والثقافة وباحث في الحركات والتيارات الإسلامية- "إن هذه إستراتيجية قطرية تبنتها قطر في سبيل البحث عن مصادر قوة إضافية فهي دولة تعي حجمها وقوتها الضعيفة فأرادت أن تستخدم الإعلام ليشكل عنصر قوة إضافية لها كقناة الجزيرة، وأيضاً اختارت أن تدعم بعض الفضائيات المعادية للسعودية ودول الخليج ومصر، ودعمت جميع وسائل الإعلام المنتمية لجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني، فدعمت جميع قنوات الإخوان المسلمين وصحفها ووسائل إعلامها ومواقعها وكذلك جماعات العنف الديني كتنظيم القاعدة وداعش وهي حسبت أن قوة الإعلام قادرة على أن تعوض ضعف السياسة وهذا غير صحيح فقوة الإعلام هي معبر عن قوة السياسة". وأضاف العتيبي أن الأنشطة الثقافية القطرية المعادية لا تقل خطورة عن الأنشطة الإعلامية فهي استقطبت أسماء كبيرة من المثقفين العرب وبعضهم خليجون للأسف وبعضهم من منحتهم الجنسية وبعضهم من أعطته دعماً كاملاً لإنشاء مركز دراسات أو لإنشاء دور نشر بأرقام مالية فلكية وجميع هؤلاء عملوا لدعم الجزيرة على المستوى الثقافي عبر الاصدارات الثقافية سواء كانت عن طريق الكتب والمجلات البحثية أو عن طريق الندوات والمؤتمرات وغيرها، فالنشاط الثقافي القطري المعادي عبر عشرين عاماً يحتاج إلى تسليط الأضواء عليه وإلى كشف الكثير من الجوانب المهملة فيه. العتيبي: الأنشطة الثقافية القطرية تحتاج للكثير من الضوء لتنكشف الغطاء المنطقي: ويقول سعود البلوي -كاتب وعضو الجمعية السعودية لكتاب الرأي-: إن موقف قطر من جيرانها منذ عشرين عاماً هو موقف "توسعي" ينافي أواصر القربى التي تربطها بالمجتمعات الخليجية وخاصة المملكة والإمارات والبحرين، إلا أن سبب العداء مع الدول الشقيقة هو الطموح التوسعي الجارف الذي تولد نتيجة شعور عميق بأن قطر أصغر من نظامها السياسي وهو الدافع الحقيقي وراء الانقلاب على الأمير الراحل عام 1996 من أجل تنفيذ الأهداف التوسعية بواسطة جناحين هما التحالف مع التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين" والاعتماد على شبكة الجزيرة الإعلامية التي من خلالها تمرر قطر عادة أجندتها لزعزعة الدول والمجتمعات الخليجية والعربية عبر دعوى الديمقراطية والتشكيك بالأنظمة وعلاقتها الدولية وانتماءاتها لمجتمعاتها المحلية مع التركيز على الملاحظات والأخطاء وتضخيمها لخلق رأي عام محلي مضاد يفضي إلى التناحر وقد لجأ النظام السياسي القطري في ذلك إلى استقطاب ودعم بعض "الأصوات" الإعلامية والثقافية بالمال المباشر وكذلك الدعم بالإمكانات وبناء العلاقات، خاصة تلك الأصوات المغردة خارج سرب الاستقرار والأمان الوطني، من خلال دفع مبالغ طائلة لأولئك الذين لا ينتمون لأوطانهم بقدر انتمائهم للريال القطري مع الأسف، وأسلوب الشراء المباشر وغير المباشر لأسماء إعلامية وثقافية أسلوب لجأ إليه صدام والقذافي وغيرهما ولكن على الباغي تدور الدوائر في النهاية. وأضاف البلوي "وفي التسجيلات التي سربها نظام القذافي انفضح أمر المؤامرة القطرية حيث أكد حمد بن جاسم بكل وضوح لجوء النظام القطري لشراء أصوات بعض نخب المجتمع بالمال والدعم وتكوين العلاقات وتسهيل المعاملات وتقديم الخدمات، كما حرصت قطر على إقامة برامج ثقافية واجتماعية تستخدم لاستقطاب النخب والشباب بهدف تقديم غطاء "منطقي" للأنشطة والأجندة السياسية، التي تحاول قطر من خلالها تهيئة الأرض الخصبة للثورة في دول مجلس التعاون مزامنة مع دعم الجماعات الإرهابية للوصول إلى سدة الحكم في العالم العربي، ويتزامن ذلك مع دعم إخواني غير محدود لكل ما هو قطري حتى أصبحت قطر أهم من أوطانهم، وهذا ما يفسر حالات الصمت أو حتى حالات الكلام لبعض الذين أغمضوا عيونهم عن دعم وطنهم في الأزمة الخليجية متحدثين عن أشياء أخرى هي أقرب للتفاهات. البلوي: البعض وقع في "المصيدة" بريال قطري استهدف التفرقة يقول محمد الحرز -ناقد وشاعر-: "يعتبر الإعلام القوة الكبيرة في العالم وهو سوق قوي ولذلك أصبحت كل دولة تسعى لأن تمتلك كل مقوماته، أما قطر فقد وضعت في زاوية ربما لا نستطيع أن نجد غيرها من يقوم بهذا الدور، فقطر باستطاعتها أن تمتلك قوة ناعمة كالإعلام لأنها لا تستطيع أن تمتلك القوة العسكرية أو القوة النامية البشرية ولذلك فالإعلام المصدر الوحيد، بالإضافة إلى توفر المال القطري فساعد ذلك كثيراً على استغلال إعلامها مما أدى إلى شراء الأصوات، إلا أننا لا نجزم بوجود قاعدة لشراء الأصوات إنما ربما هناك أناس متعاطفون وهناك أناس مستغلون لذلك تبقى القوة الإعلامية هي القوة التي يراهن عليها حالياً كقوة كبيرة تقابل حتى القوة العسكرية، فمساعي قطر في امتلاك أذرعة إعلامية حالة طبيعية خاصة أنها وجدت لها موطئ قدم كبير في أوربا وأميركا من خلال الجزيرة وغير الجزيرة. وأضاف الحرز قائلاً: "إنني أشك أن يكون هناك وجه واحد لمسألة استقطاب الأسماء الثقافية العربية لإعلامهم فهناك مثقفون عرب صادقون في تعاملهم مع أنفسهم وفي تعاملهم مع قنواتهم الثقافية، إلا أننا حينما نتأمل الوضع نجد أن عزمي بشارة يمسك مركز الدراسات السياسية والأبحاث في قطر واستقطب أغلب المثقفين من جميع التيارات، ولكننا لا نضع جميع المثقفين في سلة واحدة ونجزم أن الإعلام القطري اشتراهم فهناك مثقفون كبار عملوا مع مركز الدراسات وألفوا كتباً وهم معروفون في الساحة ولكن في مقابل ذلك هناك استثمار حقيقي خفي من خلال أجندة سياسية مطروحة في قطر وفي أماكن أخرى، ولذلك فهناك مثقفون أخذوا موقفاً من البداية ورفضوا أن يشاركوا في جميع الندوات والمؤتمرات التي عملت في الدوحة من خلال مركز الدراسات إلا أنه في النهاية هناك حراك ثقافي ولكن استثماره هو الخطأ الكبير، إلا أن هنا وجهاً متناقضاً؛ فمن جانب أن هناك ما يشبه الحركة التنويرية الثقافية على مستوى الوطن العربي، وهناك استثمار سياسي قطري كنوع من التخريب للأمن القومي والعربي الخليجي، وهنا تكمن المفارقة فالأمن الخليجي والعربي هو الأهم وهو المقدم على كل شيء حتى الثقافة فلا نقبل من السياسة القطرية أن تخرب أوطاننا، فإذا لم يستقر الوطن أمنياً واجتماعياً وثقافياً فلن يوجد حراك ثقافي وتلك هي المشكلة. عبدالله بن بجاد العتيبي سعود البلوي