انتهت فعاليات قمة مجموعة العشرين في هامبورغ وتزامن معها خروج أصوات ناشطة أبدت خشيتها على الاقتصاد العالمي من مستقبل مجهول وهي التي تسعى لعالم أكثر عدالة. يتسق هذا الطرح مع ما ردده البعض من أن العولمة قد تعود خطوة إلى الوراء بسبب سياسة إعادة التأميم التي تنتهجها بعض الحكومات والإجراءات الحمائية التي تبنتها الولاياتالمتحدة. دول العشرين لم تلتزم بتنفيذ التوصيات السابقة للقمم الفائتة ورفع سقف التوقعات لم يغير صورة المشهد فما زالت هوة العدالة الاجتماعية ما بين الشمال والجنوب قائمة ودعم الدول النامية ما زال ضعيفا والوعود ما زالت فارغة. تساءل بعضهم كيف يمكن خلق مناخات ثقة لنظام الاقتصاد العالمي الذي يفترض أن يُبنى على التعاون ليستقر وينمو، ودول العشرين اختلفت فيما بينها حتى على صياغة البيان الختامي وبالكاد توصلت لحالة من التوافق متجاوزة القضايا الخلافية بتسوية في ملف المناخ وكانت اتفاقية باريس للمناخ قد طالبت بالإبقاء على متوسط ارتفاع درجة حرارة الأرض لأقل من درجتين مئويتين فضلا عن توافق بعد جهد مضن حول تجارة عالمية حرة وعادلة بعد تنازل نسبي من واشنطن. القمة ناقشت مشاكل الهجرة واحترام البيئة وتعزيز الديمقراطية ومحاصرة الإرهاب وقطع التمويل عنه عبر آليات دولية. ملف الإرهاب لقي إجماعا وكان الأكثر تناغما بين الحاضرين. استطاعت السعودية أن تكسب احترام الجميع في كلمتها التي ألقاها د. إبراهيم العساف رئيس الوفد التي ركز فيها على مواجهة الإرهاب والتطرف وضرورة التنسيق الفعال بين الدول. مشاركة السعودية في هذه القمة هو تقدير لمكانتها في منظومة الاقتصاد العالمي بدليل مشاركتها في صياغة القرارات السياسية والاقتصادية العالمية، ولعل استضافتها لقمة العشرين عام 2020م يعكس ثقة المجتمع الدولي في إمكاناتها ودورها. هل نحن بصدد تشكل نظام اقتصادي عالمي جديد؟ يبدو ذلك من خلال المؤشرات التي لمسناها ومن خلال المواجهة مع آراء ترامب وإن ظلت التفاهمات لا تخرج عن شعارات سابقة في قمم ماضية. ثمة خلافات واضحة بين الاتحاد الأوروبي وأميركا فهل تؤسس تلك الوضعية لعلاقة جديدة ما بين الأطراف أو ربما لتحالفات جديدة؟ لاحظ أنه مع مجيء ترامب اتجه الأوروبيون بشكل لافت نحو اليابانوالصين والهند عندما تعلق الأمر بالتجارة الحرة أو حماية البيئة. هم موقنون أنه لا يمكن إلغاء العولمة، ولكنهم يفضلون التقليل من سلبياتها عبر تخفيض منسوب الفارق الطبقي ومساعدة الدول الفقيرة بإلغاء ديونها وتكريس مفهوم العدالة.. هناك شعور حول بداية عزلة جديدة لواشنطن مع شعار ترامب (أميركا أولا) وأن الصين ستملأ هذا الفراغ. هذا تحول دراماتيكي وله تداعيات جمة والأيام القادمة كفيلة بتوضيح الصورة بشكل دقيق إذا ما علمنا إيجابية التفاهمات الأميركية الروسية التي تم التوصل إليها في هامبورغ فيما يتعلق بالأزمة السورية. تزامنت القمة مع احتجاجات واسعة والتظاهرات لم تكن كومة من انفعالات واضطرابات بقدر ما كانت رسالة غضب من الرأسمالية موجهة للحكومات والمنظمات والسياسيين. ومع ذلك ظلت السياسات مرسومة وما زال النظام الرأسمالي مستمرا رغم الاعتراضات والانتقادات. مناهضو العولمة هم باحثون عن الحق والحرية والقيم الإنسانية في ظل طغيان المعايير المادية التي جردت المرء من إنسانيته. كانوا يقولون في هامبورغ إن "سياسات مجموعة العشرين في أنحاء العالم مسؤولة عن الظروف المشابهة للجحيم، مثل الجوع والحرب والكوارث المناخية". طبعا هم موقنون أنه لا يمكن إلغاء العولمة ولكنهم يفضلون التقليل من سلبياتها عبر تخفيض منسوب الفارق الطبقي ومساعدة الدول الفقيرة بإلغاء ديونها وتكريس مفهوم العدالة. هذه المنظومة الاحتجاجية لا تلبث أن تظهر بين الفينة والأخرى ضد المفهوم العولمي وتحديداً في جانبه الاستعبادي والاستعماري، لتصبح بمثابة تحالف شعبي. ينادي المحتجون أيضا بتجارة حرة ومنصفة مطالبين واشنطن التي خرجت من الاتفاقية بأن تلتزم بنهج عالمي يقلص غازات الاحتباس الحراري، ويدعم النمو الاقتصادي ويفي بحاجات أمن الطاقة. الخبر اللافت يكمن في الاهتمام بإفريقيا وهو ما دفع ألمانيا بطرح تصور إزاء مارشال أفريقي. البعض يرى أن التجارة بالنسبة للبلدان النامية، وخاصة في إفريقيا بحاجة لانسياب حركة البضائع والخدمات كون هذه القارة ستؤثر في السنوات العشرين المقبلة على مسار العولمة. حدوث اختلاف وجهات النظر أمر طبيعي في مجموعة العشرين والحل لا يعني بالضرورة الافتراق ما بين أوروبا وأميركا أو تشكيل نظام اقتصادي جديد بل التمسك بالتعاون بين الدول لأجل الحفاظ على استدامة كوكبنا.