(الجَمْعُ والمنْعُ) هي فلسفة البخلاء الذين وصفهم الجاحظ من الناحية المادية والنفسية، وللجاحظ أسلوب ساحر ساخر، حتى إنه سخر من نفسه وقبحه، ويجمع أسلوبه بين البيان الفصيح الناصع، وبين اللهجات الشعبية، لأنه يرى أن رواية الطرفة لا تحلو إلّا بنص الحوار الشعبي وألفاظه، خاصة أنه شديد الاختلاط بمختلف الطبقات الشعبية، ويُعتبر كتابه (البخلاء) فريداً في بابه، وقد ضمّته (اليونسكو) لأجمل مئة كتاب في تاريخ البشرية. وإذ يبرّر الجاحظ لتأليف كتابه برسالة من صديق رجاه أن يجمع (نوادر البخلاء) بعد أن جمع (حيل لصوص الليل) ويرى بعض النقاد أن سبب التأليف أعمق، وهو الرد على (الشعوبية) الذين كثروا في عصره (العباسي الثاني) وتندروا على العرب القدماء بفقرهم وأكلهم الضب والجربوع والجراد، ثم غرقهم في الترف، ويستدل هؤلاء بتركيز الجاحظ على أهل خرسان ومرو كأصل في البخل، ونعتقد أن الدافع فني رغم جهود الجاحظ في محاربة الشعوبية، ورغم تركيزه على أهل مرو الذين قال عنهم ( .. لم أرَ الديك في بلدة قط إلّا وهو يأخذ الحبّة بمنقاره ثم يلفظها قدام الدجاجة إلا ديكة مرو، فهي تسلب الدجاج ما في مناقيرها من حَبّ .. ). ويمتاز الجاحظ بتصوير نماذج مختلفة من سلوك البخلاء فلكل بخيل صورة وفلسفة وتبرير للبخل، مما يجعل الكتاب ثريّاً في فنّه .. فلا تزال أشخاص بخلاء الجاحظ تنبض بالحياة رغم مبالغته في تصوير بخلهم، ويعود هذا لموهبته وكثرة اختلاطه بالطبقات المختلفة وخاصة الشعبية، وقدرته على تصوير شخصية كل بخيل بشكل منفرد متجسد لا يتناقض، ومن أراد المزيد من المتعة فله أن يقرأ ذلك الكتاب الفريد.