جزء من النجاح والشعبية التي تحققت لبرنامج صحوة الذي عرض في رمضان, كونه استطاع أن يمرق فوق الصراط الدقيق الذي يفصل مابين يقينية الفقية وشك العالم, بمهارة وجراءة مرفقة ببعض الشغب. على حين كان المشهد مهيأً لأن تلتف الحلقات وتتحول إلى حلقة فقيه يمرر يقنياته بشكل وعظي منبري, وهو النمط المألوف المطمئن الذي اعتاد العقل الإسلامي معه على ازدراد المعلومة مقرطسة بيقينها, لتملأ كل فراغات ذهنيته, وتطفئ اتقاد الأسئلة في الرأس حتى تترمد. ولكن عناية الإعداد للأستاذ / أحمد العرفج , مرفقة بالتناغم الفكري مع ضيفه د. عدنان إبراهيم , استطاعا من خلالها, أن يصنعا فوق الهوة الأزلية مابين النص وزمانه جسورا تحاول عبر توظيف أدوات المنطق الداخلي للأطروحات أن تحافظ على متانتها وتماسكها . والمتأمل للموروث الفقهي عبر التاريخ سيجد أنه عبارة عن ديالوج أبدي بين النص المقدس ومحيطه, وأي حالة ركود أو تحجر لهذا الديالكتيك , ينتج عنها انسدادات تاريخية كبرى, من التطرف والجمود والانقطاع عن الواقع , ولو تتبعنا كل الفترات المظلمة في التاريخ الإسلامي سنجدها عبارة عن جمود نصوصي جعل (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وعجز عن أن يستجيب لصيرورة القوانين الكونية أبدية التبدل والتغير. يقينية الفقيه وشك العالم الذي يؤمن بأن ليس هناك حقائق مطلقة, وأن كل حقيقة يولد منها نقيضها, وإنها مقيدة للزمان والمكان, بينما تيار الزمن هادر متدفق, هي التي تمنح النص حيويته وكونيته. وأطروحات د. عدنان إبراهيم ( من خلال ماسمعته في ذلك البرنامج ولست معنية بما قبلها وبعدها) ليست طارئة على بنية العقل العربي, ولكنها كانت كامنة منحاة لم تستدرج إلى الواجهة, وحتى السنوات الضئيلة من تاريخنا التي تم فيها الاحتفاء بالعقل في عهد المأمون, كان احتفاء خاضعا لبطش السيف, ولم يجلّ قوانين العقل والفلسفة وقوامها النسبي ومرجعيتها المرنة (رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غير خطأ يحتمل الصواب) . النسبية التي تنطلق من المقاصد الكبرى هي الترياق لمراحل معتمة مرت على العقل الإسلامي, تحجرت فيها النصوص, وهزلت واضمحلت أدوات الاشتغال الفقهي . لذا جاء اسم البرنامج (صحوة ) ملبيا للهدف المضمر الذي احتوته الحلقات. والجماهيرية التي نالتها الحلقات تؤهلها لسنوات قادمة, شرط الحذر من خلق أصنام ذهنية, تدخل العقل الفقهي من جديد في ركود مكبل عاجز عن التحليق في سموات الكون والدهشة والسؤال.