لم تستطع وزارة التعليم التي تجاوز عمرها 60 عاماً أن تتخطى أهم عقبة تعترضها، ألا وهي توفير المدارس الحكومية في كثير من الأحياء خصوصا في المناطق، ولنأخد العاصمة الرياض مثالا: فقد كان لدى الوزارة فرصة ذهبية لم ولن تتكرر، وقد تعاقب على حقيبة تلك الوزارة العديد من الوزاراء كان أطولهم فترة وجاوزت 20 عاما الدكتور عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- في وقت شهدت المملكة في فترة وزارته بداية التوسع العمراني وخصوصا في مدينة الرياض، وكان باستطاعته في ذاك الوقت أن يوجد مواقع للمدارس بملايين الأمتار خاصة وأن الأراضي وقتها كانت تباع بأبخس الأثمان، ولكن لم تستغل تلك الفترة، والآن نجني أثار ذلك بعدم توفر الكثير من مواقع المدراس خصوصا في الأحياء الجديدة، ما جعل المستثمرين يستغلون تلك الثغرة بسرعة تملك المواقع في الأحياء الجديدة في الأحياء التي غابت عنها المدارس الحكومية فأنشأوا عليها المدارس التي من أولى اهتماماتها الربح المادي. د. النويعم: سد النقص بالاستئجار والشراء وتسهيل إجراءات المدارس الأهلية لبناء مرافق الوزارة الاستغناء عن المستأجر منذ ذلك الحين ووزارة التعليم تحاول إيجاد مدارس في الأحياء الجديدة أو المكتظة بالسكان، ولكنها لم توفق في سد العجز في ذلك بسبب ارتفاع أسعار الأراضي ما أجبرها إلى اللجوء للمدارس المستأجرة في كثير من الأحياء، وسبق وأعلنت مرارا وتكرارا عن الاستغناء عن المستأجر ولكنها في كل عام تعود لتبحث لمدارسها عن مبان مؤقتة. ومن محاولات وزارة التعليم للقضاء على المباني المستأجرة توجيه وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى باعتماد خطط إجرائية تهدف إلى خفض عدد المدارس المستأجرة إلى النصف في غضون عامين دراسيين فقط، تحقيقا لأهداف برنامج التحول الوطني 2020. ويتضمن التوجيه اتخاذ 4 إجراءات عاجلة يبدأ تطبيقها مطلع العام الدراسي المقبل، وتستكمل خلال العام الدراسي الذي يليه للاستغناء عن نصف المدارس المستأجرة في كل إدارة تعليمية، وهذه الإجراءات تتمثل في: حصر أعداد المدارس المستأجرة وعدد الطلاب في كل مدرسة، تحويل طلاب المدرسة المستأجرة إلى أقرب مدرسة بمبنى حكومي في الفترة الثانية (المسائية)، توزيع طلاب المدرسة العاملة في مبنى مستأجر على المدارس ذات المباني الحكومية بنفس الحي أو القريبة، تحديد المدارس التي يصعب توزيع طلابها أو تحويلها للعمل في الفترة المسائية. الأحياء الجديدة وتعاني الأحياء الجديد في المناطق الكبرى كالرياض مثلا: من غياب شبه كلي للمدارس الحكومية وبالأخص شمال الرياض، وتكاثر الأهلية، وعن أسباب ذلك يؤكد "د. ثنيان النويعم" مدير مدارس المنهاج الأهلية أنه يجب في البداية أن نسأل ماذا عن المرافق الحكومية في المخططات الجديدة؟ مضيفاً أن المتعارف عليه أن كل المخططات الجديدة تكون المرافق فيها معتمدة، إلاّ أنها مملوكة لصاحب المخطط وليس الوزارة، مبيناً أنه يجب شراء وزارة التعليم هذه المرافق حين بيع المخطط، متأسفاً أنها لا تبادر للشراء رغم أن ميزانيتها تسمح بذلك، مشيراً إلى أن السبب في تأخر انتشار المدارس الحكومية في الأحياء الجديدة وخصوصاً شمال الرياض يعود إلى عدم امتلاك الوزارة للمرافق التعليمية، ومبالغة الوزارة في تقليل قيمة الإيجارات للمباني، للاستئجار كمبان مدرسية، ما يؤدي إلى إحجام الأهالي عن إيجار أملاكهم. وأضاف: الحلول التي يمكن أن تتخذ لسد العجز الحاصل في نقص المدارس هناك، عديدة ومنها؛ المبادرة إلى استجار المباني المناسبة وهي متوفرة، مُشدداً على ضرورة وضع القيمة المناسبة لها لإقناع الملاّك بالتأجير، إضافةً إلى شراء المرافق التعليمية، وبناء المدارس عليها، أو تسهيل الإجراءات للمدارس الأهلية للبناء في المرافق التي تمتلكها. ومن المفترض أن تشتمل مخططات الأحيار على مرافق حكومية ومن أهمها المدارس، ولكن الملاحظ أن تلك المرافق استولت عليها المدارس الأهلية في الأحياء الجديدة، ما زاد من تذمر وشكاوي الأهالي في تلك الأحياء، من غلاء رسوم تلك المدارس وحرمانهم من حقهم في تسجيل أبنائهم فيما يجدونه من مدارس حكومية تعد على الأصابع، في تلك الأحياء ويتجاوز أعداد الطلبة في فصولها لأكثر من (40) طالباً أو طالبة. وبعدما كانت المدارس الأهلية للنخبة ومن يبحثون عن المدارس الأهلية لتمييز أبنائهم عن غيرهم أصبحت المراس الأهلية ضرورة لجأ إليها أهالي الأحياء الجديدة الذين لا يرون لهم بدا إلا اللجوء لها مرغمين، بالرغم من أن أغلب سكان تلك الأحياء لا يستطيعون تسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية القريبة لارتفاع الرسوم كما يتفاجأون بعدم قبول أبنائهم في المدارس الحكومية، وتستمر المعاناة دون حلول منظورة أو منتظرة، وفي ظل النقص الحاد بالمدارس الحكومية، تتزايد المدارس الأهلية، وتنفرد بكامل الكعكة التعليمية في تلك الأحياء. الأحياء القديمة وفي المقابل تزدحم الأحياء القديمة بالمدارس الحكومية، التي لم يستفاد منها ببيعها أو تأجيرها والتعويض عنها بمدارس في الأحياء الجديدة، فبقيت عالة على ميزانية التعليم، والغريب في الأمر أن نسبة الطلبة السعوديين فيها لا تتجاوز أكثر من 10%، في ظل معاناة الأحياء الجديدة من النقص، كشمال الرياض التي يتجاوز أعداد الطلاب والطالبات في الصف الواحد إلى 40 طالبة أو طالبة، وقد تصل نسبة السعوديين فيها أكثر من80% وهذا المؤشر المرتفع يحرم الطلاب والطالبات السعوديات من حقهن المشروع والاستفادة الفعلية من التعليم. وهذا مما لاشك فيه ينعكس سلباً على نفسيات أولياء الأمور الذين أصبح هذا الأمر شغلهم الشاغل، ويقاسمهم رواتبهم الشهرية. ويرى بعض المختصين أن من الحلول التي من الممكن أن تُساعد على حل تلك الإشكالات في بعض الأحياء، هو تكفل الوزارة بمصروفات المدارس الأهلية للمواطنين، أو توفير مقاعد مجانية لأبنائهم إذا كانت عاجزة عن توفير مدارس، أو استئجار مبان وتوزيعها على الأحياء، لتسديد النقص الحاصل في المدارس الحكومية وقبول الطلاب، على أن يتم وضع القيمة المناسبة لإقناع الملاّك بالتأجير، أو شراء المرافق التعليمية، وبناء المدارس عليها، فالحاجة المُلحة تفرض تلك الحلول وبشكل سريع. ويرى عثمان بن طارق القصبي" -المشرف العام على مدارس الرواد- أن تأخر انتشار المدارس الحكومية في شمال الرياض يعود لمشكلة ذات جذور تاريخية قديمة ولا يتحمل المسؤولية فرد واحد أو جهة معينة، لكن ما تعمله الوزارة حالياً يعد مجهوداً جباراً، فاستلام مدرستين جديدتين يومياً ليس بالأمر السهل، مبيناً أن الحلول التي يمكن أن تتخذ لسد العجز الحاصل في نقص المدارس إمكانية التركيز على الأحياء السكنية المكتظة، وتقديم المشروعات في المناطق التي يكون فيها عدد الطلاب بالفصول أكثر من غيرها. وأشار إلى أنه يمكن تحويل الطلاب في المدارس الحكومية المكتظة بأعداد تتجاوز المعيار العالمي وهو (25) طالباً للفصل للمدارس الأهلية المجاورة لحين بناء مدارس حكومية جديدة، وتساءل عن مصير مشروع دعم أولياء الأمور ب"فاوتشرات" -بطاقة تخفيض- التي قد توفر على الدولة ما يقارب (12) ملياراً سنوياً. فشل المشروعات ومما سبق نستنتج أن وزارة التعليم لم تكن تعمل وفق استراتيجية مستدامة لمواكبة التطور العمراني التي تشهدها المملكة وخصوصاً في المناطق الكبيرة كالرياض، وثبت أن مشاريعها كانت مرتجلة، فالمتتبع لمشاريعها كمشروع تنفيذ المدارس مع شركة صينية، لإنشاء 200 مبنى تعليمي داخل الرياض كانت فكرة رائدة لحل مشكلة عدم توفر مدراس في الأحياء الجديدة، ولو تمت لتمكنت الوزارة من نشر مدارسها في كثير من تلك الأحياء والتخلص من30% من المباني المستأجرة، حسب تصريحات مسؤولين سابقين في وزارة التعليم. كما أن المشروع الذي كانت تعمل عليه الوزارة مع الراجحي لتنفيذ المدارس داخل الأحياء بالتأجير المنتهي بالتمليك كان أيضاً فكرة رائدة ولكن تلك الأفكار والمشروعات كانت تخضع لاجتهادات شخصية ماتلبث أن تنتهي بمجرد تغير صاحب الفكرة، أو تقاعده أو نقله، وقد اعترف وزير تعليم سابق بتعثر العديد من المشروعات المدرسية خلال السنوات الماضية، كاشفاً عن سحب نحو ألف مبنى مدرسي متعثر خلال الفترة الماضية. شراء مرافق المتعثرة وإقامة المدارس د. ثنيان النويعم عثمان القصبي