بعد صدور أمر خادم الحرمين الشريفين بتحويل هيئة التحقيق والادعاء العام إلى نيابة عامة؛ تكون المملكة قد دشنت مرحلة جديدة في سياق الفصل بين السلطات؛ القضائية والتشريعية والتنفيذية.. وعززت توجهها نحو تطوير وحوكمة عمل القطاعات الحكومية وأجهزة الدولة، بما يدعم قواعد العدالة وحيادية مؤسساتها في خطوة كبيرة سوف تعزز بلا شك مسيرة التطوير والتحديث التي تشهدها المملكة في إطار رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني. ومما زاد هذا التحول قوة ما نص عليه الأمر الملكي بارتباط النيابة العامة بالملك مباشرة؛ ليعطي دلالة قوية على التوجه نحو منحها السلطة المستقلة لتحقيق العدالة المرجوة في التقاضي والتحقيق، مع تطوير الإجراءات ليمنع التدخل في عملها وإعطائها الصلاحيات والاستقلال التام عبر تكليف هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بمراجعة نظام هيئة التحقيق والادعاء العام واقتراح تعديل ما يلزم خلال ثلاثة أشهر. أيضاً يأتي تعيين الرئيس السابق لمحكمه الأحوال الشخصية بالرياض عضو المحكمة الجزائية وعضو مجلس القضاء الأعلى معالي الشيخ سعود بن عبدالله المعجب ليكون أول نائب عام في المملكة ليؤكد التوجه نحو أرساء مبدأ الفصل بين السلطات؛ فالشيخ المعجب المولود عام 1386 في مدينة الأفلاج شارك في عدد من مشروعات الأنظمة واللوائح، منها مشروع ووثيقة النظام الموحد للإجراءات الجزائية، ومشروع النظام الموحد لأعمال الخبرة أمام المحاكم، ومشروع النظام الموحد لأعمال أعوان السلطة القضائية، ومشروع النظام الموحد لتنفيذ الأحكام القضائية، وهو شخصية ملتزمة معروف عنه الانضباط في العمل، واختياره سيكون علامة فارقة ومفصلية في مسيرة القضاء في المملكة، حيث إن النيابة العامة تعتبر من أهم الهيئات القضائية وتؤدي دوراً محورياً وأساسياً في المنظومة العدلية، إذ تمثل الدولة والمجتمع أمام القضاء للدفاع عن مصالحه العليا من خلال ممارستها لسلطة الاتهام ومباشرتها للدعوى العامة في متابعتها للمجرمين وتهيئة المناخ السليم لإرساء العدالة في المجتمع من خلال إشرافها على كل ما يمس العدالة، والرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف، وأي أماكن تنفذ فيها أحكام جزائية، والقيام بالاستماع إلى شكاوى المسجونين والموقوفين، والتحقق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم، ومشروعية بقائهم في السجن أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق سراح من سجن أو أوقف منهم بدون سبب مشروع. أيضاً كما ذكر أحد القانونيين فإن من أهم المكاسب هي اختصار الإجراءات في قضايا رد الاعتبار؛ كونها سترفع مباشرة من النيابة إلى الملك، على عكس المعمول به سابقًا بأن ترفع من هيئة التحقيق والادعاء العام إلى وزارة العدل ثم ترفعها العدل إلى وزير الداخلية الذي بدوره يحيلها إلى الملك. إن مثل هذا التوجه يجعلنا نتفائل في المزيد من الخطوات التي تعزز السلطة التشريعية وتجمع شتاتها المتداخل بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء وغيرهما، عبر زيادة صلاحيات السلطة التشريعية في المملكة (مجلس الشورى) ومراجعة قواعد وآليات عمله بما يحقق الرقابة والمراجعة الفاعلة على الأداء الحكومي.