"ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء لأعنتكم إن الله عزيز حكيم".. رعاية الأيتام في المجتمع من أهم أولويات التنمية الاجتماعية الحكومية ومن أسمى برامج الجمعيات الخيرية ومن أرقى الأعمال في المؤسسات التطوعية، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع وتعاضد أفراده في احتضانهم والتعايش معهم من خلال أسر بديلة أوحاضنة أو كافلة. غرفة نوم للاطفال وكنت اعتقد قبل القيام بهذا التحقيق الموسع عن برامج رعاية الأيتام مجهولي الوالدين أنها تقتصر على تلك البرامج التي سنَّتها وزارة الشؤون الاجتماعية، من خلال الإدارة العامة لرعاية الأيتام بوكالة الوزارة للرعاية والتنمية الاجتماعية وهي الجهة المسؤولة والمشرفة على كافة شؤون الأيتام ورعايتهم، ومن في حكمهم من الفئات الاجتماعية ذات الظروف الخاصة من مجهولي الأبوين وشمولهم بالرعاية والتربية والإصلاح وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة بأساليب علمية حديثة، ومنها: إدارة شؤون كفالة الأيتام: إدارة شؤون كفالة الأيتام تؤمن بأن جو الأسرة الطبيعية هو المجال الملائم لرعاية الطفل اليتيم أوالطفلة اليتيمة من النواحي الاجتماعية النفسية والعقلية، ونشأته النشأة السليمة.. خزانة ملابس لأحد الأيتام برنامج الأسر الكافلة وهو قيام أسرة برعاية طفل يتيم من الأيتام التي تشرف عليهم الوزارة رعاية كاملة ودائمة تحقق له الأمان النفسي والإشباع العاطفي، وتكسبه العادات والقيم الاجتماعية المثلى، حيث يكون الطفل اليتيم فرداً من الأسرة وفق الضوابط الشرعية المنظمة لهذا الأمر. برنامج الأسرة الصديقة: وهو برنامج يهدف إلى تعويض الأطفال الأيتام الذين لم تسنح الفرصة لاحتضانهم بأن يسلموا للأسر الراغبة في رعايتهم رعاية جزئية وفق نظام تقوم بموجبه إحدى الأسر الطبيعية في المجتمع بالارتباط بواحد أو أكثر من الأطفال الأيتام المقيمين في إحدى الدور الاجتماعية الإيوائية التابعة لوكالة الرعاية والتنمية الاجتماعية، بهدف استضافته لديها خلال فترة محددة مثل فترة الإجازات (الأعياد أو نهاية الأسبوع أو الإجازة الصيفية)، ثم يعاد الطفل بعد انتهاء الإجازة أو الفترة المحددة إلى الدار أو المؤسسة التي يقيم فيها. الجمعيات الخيرية: والإلحاق بأحد الفروع الإيوائية هو آخر الحلول العملية وآخر مرحلة من مراحل رعاية اليتيم عندما يثبت البحث الاجتماعي عدم توفر هذا الجو الأسري لرعاية الطفل أوالطفلة اليتيمة لدى أحد أقاربهم أو أي أسرة كافلة، تقوم عدد من الجمعيات الخيرية برعاية وإيواء عدد من الأيتام (من مجهولي الوالدين أو مجهولي الأب) وتقوم الإدارة بالإشراف عليها بصفتها جهة رعاية وتصرف لها إعانة شهرية لقاء هذه الرعاية حسب اللائحة الصادرة بشأن الأطفال المحتاجين للرعاية. مشروع جديد ولكن الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمكةالمكرمة قد أحدثت مشروعاً إنسانيا جديداً اسمه (القرابة من الرضاعة) الحائز على جائزة البنك الإسلامي للتنمية في المسابقة الدولية للبنك وشارك فيها 56 جهة دولية للعناية بالأيتام مجهولي الأبوين وفق أعلى درجات الرعاية الإنسانية للأيتام، مستوفية النواحي الشرعية والبحوث العلمية والطبية والبرامج والأسرية والاجتماعية، ومن الممكن تطبيقه في أي مكان في العالم حتى لو في المجتمعات غيرالمسلمة، ويهدف المشروع إلى إيجاد جذور أسرية للأيتام من سن الرضاعة من ذوي الظروف الخاصة من خلال إيجاد أم مرضعة لذلك الطفل الرضيع لارضاعه بحيث يكون احد أفراد الأم المرضعة وتكون له أسرة مدى الحياة.. الفكرة والجائزة الشيخ احمد بن عبدالله الصبان وكيل وزارة الشؤون الإسلامية للتخطيط والتطوير صاحب الفكرة والمخطط لها ضمن فريق عمل قاموا بدراسة المشروع دراسة مستفيضة من كافة النواحي الشرعية والعلمية والطبية والاجتماعية حتى يتأكدوا من النتائج، وخلص إلى تبني الفكرة بالرغم من وجود معوقات، إلا انه خرج إلى النور وتم تطبيقه ولأول مرة عام 1427ه، من خلال أول عملية إرضاع لطفلة رضيعة من ذوي الظروف الخاصة. الشيخ الصبان تحدث عن الفكرة، وقال:من توفيق الله عزوجل أن كتب للمشروع النجاح وبدأت تظهر ثماره من خلال أعداد الأطفال الرضع الذين استفادوا من علاقة القربى بأمهاتهم المرضعات ولم يتوقف عند هذا إنما حاز وبتفوق وإعجاب على جائزة البنك الإسلامي للتنمية التي تقام في كل عام من خلال المسابقة الدولية لرعاية مشاريع الأيتام في العالم، ولاشك أن الفوز بالجائزة هو اعتراف دولي بأهمية المشروع، كما انه يذلل الكثير من العقبات ويحفزنا للعمل على تطويره ونشره في العديد من الدول الإسلامية التي طلبت فكرة المشروع سواء في الدول العربية أو على النطاق الدول الإسلامية.. تطبيق المشروع وحول تطبيق المشروع تحدثت الأستاذة نسرين هارون حافظ مساعدة المدير العام الجمعية الخيرية لرعاية الايتام في مكةالمكرمة، وقالت: من خلال البرنامج الذي يتيح للأسرة السعودية إرضاع طفل أو أكثر من الأطفال ذوي الظروف الخاصة، كما ييسر للطفل ويمكنه من الرضاعة الطبيعية من أكثر من أم لإيجاد جذورأ سرية وقرابة شرعية بين ذلك الطفل وأفراد الأسرة المرضعة، مما يدعم انتماء الأبناء لأسر طبيعية يشعرون من خلالها بالرضا والطمأنينة، وتشجيعاً لذلك تمنح للسيدة المرضعة مكافأة مالية مقدارها 1500ريال عن كل ابن تقوم بإرضاعه خمس رضعات مشبعات في مقر الجمعية على خمسة أيام متوالية أو متفرقة، وتثبت الجمعية بنوة الابن للأسرة المرضعة بصك شرعي صادر من المحكمة إثباتاً للقرابة من الرضاعة، ومنعاً من حدوث تزاوج بين المحارم مستقبلاً في حال لم توثق تلك القرابة من الرضاع، كما تمنح الأسرة المرضعة مبلغ (1000) ريال تقسم على جزأين في السنة الواحدة لحفلين منفصلين يقيمهما الأب والأم من الرضاعة للتعريف بالرضيع بين أفراد الأسرة المرضعة وأقربائها، إضافة إلى مبلغ (400) ريال مرتين في العام قيمة هديا تقدم من الابن لوالدته وأسرته من الرضاعة عند زيارته لهم تدفع قيمتها من قبل الجمعية وذلك ضمن وسائل التواصل في البرنامج. إرضاع الأطفال الأيتام تقول الأستاذة نسرين بأن عدد الأمهات المرضعات بلغ حتى الآن 40 مرضعة قمن بإرضاع 48 طفلاً وطفلة، حيث قامت بعض الأمهات بإرضاع أكثر من طفل بعد تعبئة نموذج طلب إرضاع، والتعهد، والإقرار من قبل الأسرة المرضعة مع إحضار صورة من بطاقة العائلة والأصل للمطابقة وصورة من شهادة الميلاد المؤقتة لطفلها أو طفلتها التي تقوم بإرضاعها.. الحوافز المعنوية والمادية أما الحوافز المعنوية والمادية المعطاة للأم نظير إرضاعها للطفل تقول الأستاذة نسرين أنه يتم صرف مكافأة مالية للمرضعة مقدارها (1000) ريال عن خمس رضعات مشبعات في خمس أيام متوالية أو متفرقة بمقر الجمعية وتكون بمعدل (50) ريالا عن كل يوم تتم فيه رضعة من الأربع رضعات الأولى في أربعة أيام متتالية أو متفرقة وعند اكتمال الرضعة الخامسة، وفي اليوم الخامس يتم تسليمها مبلغ (800) ريال، كما يتم إعداد مشهد بشهادة أربع شاهدات من موظفات الجمعية ويعتمد بتوقيع مدير عام الجمعية والختم، ثم إرسال خطاب من مدير عام الجمعية للمحكمة بطلب إصدار صك لإثبات الإرضاع، وتسليم المرضعة مكافأة مقابل إصدار الصك من المحكمة بمقدار(500) ريال إذا قامت باستصدار الصك مباشرة من المحكمة وتسليمها صورة من الصك مع ضرورة توقيعها باستلام المكافأة سواء على سند الصرف أو صورة من الشيك في جميع الأحوال.. امومة الايتام عظيمة نورة الشمري من ضمن الأمهات المرضعات اللاتي تمكّن من إرضاع أكثر من طفل من أطفال الجمعية.. تحكي نورة بسعادة حانية حول تجربتها في الأمومة، وتقول: الأمومة إحساس وشعور لا يفسر بالكلمات إنما يعايش بالروح والوجدان، فانا جربت الأمومة ولي أربعة أبناء من قبل كنت دائما ما يراودني حلم أن اكفل في حياتي أيتاما نظراً إلى عظم أجرهم وإلى علو منزلتهم عند الله سبحانه وتعالى وأوصانا رسولنا الكريم بكفالة الايتام فما بالك بأطفال أيتام من ذوي الظروف الخاصة فالأجر أعظم وأجزل، وكنت دائمة السؤال عن جمعيات خيرية استطيع من خلالها أن اكفل أيتاماً ولكن ظروفي المادية قد تكون حائلاً بيني وبين تحقيق ذلك الحلم حتى توصلت إلى الجمعية الخيرية لرعاية الايتام في مكة وكان بالإمكان كفالة يتم عن طريق الرضاعة وهو لا يكلف عبئا ماديا علي، وبالفعل ذهبت إلى الجمعية وشرحوا لي فكرة الكفالة وإنهم بحاجة إلى مرضعات يكفلن أطفالاً أيتام فوافقت وقمت بكافة الإجراءات المطلوبة مني وكان أولها موافقة زوجي وبالفعل استأذنت زوجي في ذلك ولم يتردد إنما شجعني على ذلك واستطعت إرضاع خمسة أطفال. صك إثبات الرضاعة تكمل نورة الشمري حديثها وتقول بعد الانتهاء من كفالة اليتيم بالرضاعة يحق للأم أن تأخذ الطفل لبيتها إن رغبت ليعيش مع أسرتها فهي أمه وزوجها أبوه وأبناؤها إخوته من الرضاعة، لذلك تقوم الجمعية بعمل ترتيبات الأوراق التي تثبت ذلك بإصدار صك شرعي من المحكمة بإثبات الرضاعة لحفظ الأنساب لزواج الأبناء مستقبلاً، فبالنسبة للأبناء الذين تم إرضاعهم فسوف يصدر من المحكمة صك موحد لجميع الأبناء بحضوري وحضور زوجي ومشرفات الشاهدات على الرضاعة من الجمعية، وبعدها تقوم الجمعية بإعطائي ملفا يحتوي على صور وأوراق الأبناء الذين قمت بإرضاعهم كنسخة ثانية لي للاحتفاظ بها وان تكون عند أسرتي للحاجة.. توفي ابني وأرضعت ثلاثة أيتام! خلوفية دحمان عمر تتحدث عن تجربتها في الإرضاع، وتقول توفي طفلي بعد الولادة وطلبت الطبيبة أن أقوم بعملية شفط الحليب من صدري نتيجة عدم الإرضاع، وكنت أقوم بالشفط ومن ثم سكبه والتخلص منه وفي إحدى مراجعاتي للمستشفى كنت اجلس بالقرب من إحدى النساء وشكيت لها معاناتي مع الإرضاع فنصحتني بعدم سكب الحليب، ويجب أن ينتفع به طفل محتاج فسألتها كيف؟، فدلتني على مشروع الإرضاع في الجمعية وبالفعل ذهبت إلى الجمعية وقابلت المسؤولات هناك وشرحن لي فكرة الإرضاع وقمت بعمل كافة الإجراءات بعد موافقة زوجي وأرضعت طفلين وبعدها حملت وبعد الولادة أرضعت مع ابني طفلاً آخر وأنا فخورة بكوني أماً بالرضاعة لهؤلاء الأيتام، بالإضافة إلى الأجر والمثوبة، مشيرة إلى أن الطفل الاخير الذي ارضعته مع ابني قد تعلقت به وكنت آخذه في نهاية الأسبوع ليقيم عندي، ومن كثر تعلقي به أنا وأبنائي فكرت أن يبقى عندنا بشكل دائم وكنت آخذه إلى أهلي وأهل زوجي الذين احبوه مثل أبنائي، وأتمنى أن تعمم الفكرة في جميع أنحاء المملكة وان يكون هؤلاء الأيتام أبناءنا في كل مكان..