من يتابع الإعلام الخليجي اليوم وبدقة يجد أن القوة الناعمة باتت تمثل ثقلا مهما وحاسما وذا قيمة نوعية في بناء المشهد العام لمواقف الدول، مع ملاحظة أن القوة الناعمة تكون قوية في حال استنادها على أبناء المجتمع.. وقد أثبت الإعلام السعودي قوته ونفوذه وصلابته وعلو مهنيته وتنوع منصاته مع امتلاك مكامن القوة فيها جميعا.. إلا أن ذلك التميز والنجاح والقوة لم يخل من ممارسات غير ناضجة لبعض الإعلاميين مما أساء لهم ولمجتمعهم الخليجي عموما، وهنا لا أقصد غير الخليجيين وبالذات بقايا البي بي سي.. فهؤلاء لا يمثلون أي مجتمع خليجي بما فيهم أشقاؤنا القطريون. ما أعنيه هو ما يطرحه بعض الإعلام الخليجي والذي كشف ضعف مهاراته الإعلامية عند البعض وأيضا ضعف ثقافته لطبيعة العلاقات التي تربط المجتمع الخليجي ببعضه ناهيك عن عدم قدرته على تفكيك منطلقات مقاطعة بعض الدول الخليجية لقطر وهو حق سيادي. ما قامت به قناة الجزيرة على مدار أكثر من ثلاث وعشرين سنة يعطي ثماره اليوم بقبح المحتوى الفكري وقبح الأهداف، ولكن المؤكد أنه لا يبرر سفاسف الطرح في بعض الوسائل الإعلامية الخليجية دون استثناء، فالمقاطعة مرتبطة بنظام الحكم في قطر وليس مع الشعب القطري، مما يعني معه ضرورة حماية هذا الشعب من أي منزلق إعلامي لا تندمل جروحه في الغد، فالأزمة وإن طالت سيتم حلها سلميا لأن الشعب القطري جزء من شعب الخليج وتلك حقيقة يدركها النظام الحاكم في قطر قبل غيره.. والشاهد أنه لم يجند أي إعلامي قطري في قناة الجزيرة ليقينه أن الإنسان القطري لن يحقق أهدافه الشريرة، وما يتم اليوم من بعض الممارسات الإعلامية من كافة الأطراف ليس موضوعيا. من واجب الإعلامي اختيار وطنه والدفاع عن مصالحه ومساندة قيادته في قراراتها دون السقوط في وحل الابتذال في محتوى ما يطرحه.. ويوازي هذا القبح قبح الصمت الذي وقع فيه بعض رموز التواصل الاجتماعي خاصة في السعودية حيث ساد صمت القبور على بعضهم لدرجة أن هذا البعض اعتكف وغاب عن المشهد وفي حال حضوره بات ناصحا بالوحدة واللحمة والتأني مذكرا متابعيه بضرورة الهدوء وعدم الاستعجال وبقيت اللحمة غايتهم..؟ لن نختلف معهم على أهمية اللحمة الخليجية بل إن قادتنا وبفضل الله سبقوهم في ذلك عملا وقولا ولكن حين يتطلب الموقف الاختيار فالوطن دوما هو الاختيار والالتزام والواجب وغير ذلك يأتي في سياق مصلحة هذا الوطن. ضجيج الماكينة الإعلامية الخليجية اليوم يحتاج لوعي في سبب المقاطعة أيضا يتطلب محتوى إعلاميا لا يدخل في سراديب الابتذال فهذا لن يخدم القضية والمطلوب اليوم توعية الشعوب الخليجية بحقيقة أسباب المقاطعة بفتح الملفات وتفكيك محتوياتها واستدعاء الشواهد العملية على مر أكثر من عشرين عاما وكيف دول الخليج تسامحت مع نظام الحكم في الشقيقة قطر أكثر من مرة إلى أن وصل الأمر لأمن دول الخليج واستقرارها وسلامة شعوبها بما فيها سلامة الشعب القطري، فدول الخليج روابطها الجغرافية والبشرية والسياسية والاقتصادية متجذرة وليست طارئة باختصار السفينة الخليجية واحدة. ليس من الحكمة تجريح رموز أي دولة، ولكن من الأهمية فتح ملفات خيانة الأمانة وتجريد تلك الملفات من غموضها وتبسيطها للمتابع العادي ليدرك الشعب القطري قبل غيره سبب المقاطعة، أما الصامتون اليوم خاصة من بعض رموزنا السعودية فليتهم يعطون الرياض بعض ما أعطوه لإسطنبول ليلة مسرحية الانقلاب الهزلية.