يعتبر الغاز الطبيعي أحد أهم مصادر الطاقة نمواً لما يتميز به من انخفاض للانبعاثات الكربونية التى تضر بالبيئة وبالمناخ. وتتوقع معظم التقارير العالمية أن يتقدم الغاز الطبيعي ليصبح ثاني أكبر مصدر للطاقة بعد النفط بحلول 2040 متخطياً الفحم الحجري صاحب الانبعاثات الكربونية الضارة. وسينتج الغاز الطبيعي بعد عشرين عاماً أكثر من ربع طاقة العالم بعد أن كانت نسبته في 2000م حوالي 22% فقط. ويستخدم الغاز بشكل رئيس لتوليد الطاقة الكهربائية وبدأ يحل محل الفحم بالتدريج بسبب صداقته للبيئة وبدأنا نشهد ذلك بوضوح في أميركا وبنسبة أقل في الصين. تسارع دول العالم وتجد وتجتهد في البحث عن هذه المادة الثمينة وتستثمر مليارات الدولارات فى سبيل ذلك. ولقد شهدنا في آخر سبع سنوات تغيرات ملحوظة في عالم الغاز من ظهور وثورة الغاز الصخري بأميركا إلى بدء الانتاج والتصدير من المشاريع الاسترالية العملاقة والى الاهتمام الدولي بغاز شرق المتوسط والاكتشاف المصري الكبير لحقل ظهر الذي يعد اكبر حقل غاز بالبحر المتوسط. وعلى الساحة الافريقية ظهرت موزمبيق لتصبح من الدول المتقدمة بانتاج وتصدير الغاز المسال وتملك حالياً عاشر اكبر احتياطي للغاز بالعالم. وفي نفس السياق رفعت الصين احتياطياتها للغاز ما بين 2014 و2017 بحوالي 18% وهذا يدل على اهمية هذه المادة. واما اميركا فلقد غيرت العالم بانتاج وتصدير الغاز الصخري المسال وتحولت من مستورد الى ربما اكبر مصدر فيما لو نفذت كل المشاريع المخطط لها والموافق عليها بتصدير الغاز المسال بحلول 2030. والجدير بالذكر ان استهلاك اميركا للغاز لم يشهد ارتفاعا بالفترة 1972-2006 وبعد ذلك ومع ظهور الغاز الصخري ارتفع استهلاك اميركا للغاز من 21.5 تريليون قدم مكعب فى 2006 الى 27.5 تريليون قدم مكعب فى 2016. تحتاج صناعة الغاز لاستثمارات هائلة والى تخطيط وعمل مضنٍ وكما هو معروف فإن الغاز مادة ناضبة وما يستهلك منه لا يرجع ولذلك تجتهد الدول بالكشف والتنقيب عن المزيد من الغاز وإلا فان مصير الاحتياطيات النضوب ويتبع ذلك انخفاض بالانتاج. وعلى سبيل المثال كانت احتياطيات ماليزيا المعلنة من الغاز بحسب ادراة معلومات الطاقة الامريكية فى 2014 نحو 83 تريليون قدم مكعب وانخفضت في 2017 الى 43 تريليون. وانخفض احتياطي النرويج احد اهم مصدري الغاز الى اوروبا من 82 تريليون قدم مكعب فى 2010 الى 66 تريليون قدم مكعب فى 2017. تملك المملكة بحسب إدارة معلومات الطاقة الاميركية خامس اكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم ويقدر بحوالى 304 تريليون قدم مكعب. ويستخدم الغاز بالمملكة بتوليد جزء كبير من الكهرباء بالاضافة الى استخدامه كلقيم بالصناعات البتروكيماوية وصناعة الاسمدة عدا عن استخدامات بصناعة النفط. والجدير بالذكر ان استهلاك المملكة السنوي للغاز لعام 2015 يقدر بحوالى 3.6 تريليون قدم مكعب وكان الاستهلاك فى 2005 حوالى 2.5 تريليون قدم مكعب وهذا يعنى ان الاستهلاك المحلى للغاز ينمو سنويا بحوالى 4.5%. ويمكننا القول ان المملكة استهلكت في آخر 10 سنوات حوالي 30 تريليون قدم مكعب ساهمت بنهضة المملكة الصناعية وبتوفير الكهرباء لكل بيت في مملكتنا الغالية. ومن الملفت للنظر والانتباه ان احتياطيات المملكة من الغاز الطبيعى المعلنة فى 2005 كانت 240 تريليون قدم مكعب وكان المفترض انخفاضها بعد استهلاك 30 تريليون قدم مكعب الى حوالي 210 تريليون قدم مكعب ولكن بفضل من الله ثم بالقرارات الحكيمة بالاستثمار بالغاز تم رفع الاحتياطيات الى 304 تريليون فى 2015 وربما نشهد بالمستقبل ارتفاعات اخرى مع البحث والتنقيب بأراضي المملكة الطيبة. وفى الختام يجب الإشادة بسياسة المملكة الرشيدة والواقعية بالنسبة للغاز الطبيعي والتي تتمثل بعدم تصدير الانتاج المحلي بل استخدامه بالتنمية المحلية. ولقد شهدنا عدة دول تسرعت بتصدير الغاز المنتج لديها بدون الانتباه الى النمو المتسارع للطلب المحلي وهذا ما جعل بعض الدول مصدرة ومستوردة للغاز في نفس الوقت. الغاز الطبيعي ثروة وطنية واستراتيجية وزيادة استخدامه بتوليد الكهرباء المحلية عوضاً عن حرق النفط الخام هو قرار مدروس ورائع للمحافظة على النفط ولخفض الآثار البيئة السلبية، ويبدو ان العالم يذهب في الثلاثين سنة القادمة باتجاه توليد الكهرباء من الغاز والطاقة المتجددة واستخدام النفط في الصناعات البتروكيماوية وكوقود للمواصلات. *مركز التكرير والبتروكيماويات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن استهلاك المملكة السنوي للغاز لعام 2015 يقدر بحوالى 3.6 تريليونات قدم مكعب د. سليمان صالح الخطاف*