أكد الدكتور يوسف بن عبدالله العريفي أستاذ الحاسب التعليمي المساعد قسم تقنيات التعليم كلية التربية جامعة الملك فيصل على أن الصيام الإلكتروني يعد فرصة للتعرّف على الطريقة التي يستخدمها مدمنو الإنترنت والأجهزة الذكية للحصول على حياة هانئة، وهي الابتعاد جزئياً عن الأجهزة الذكية لفترة معينة للتخلّص من آثارها السلبية وخلق علاقة معتدلة واستخدام متزن معها، مضيفاً أن ذلك يعد امتداداً لما تم نشره قبل أسابيع عن السمنة المعلوماتية. وقال الدكتور يوسف في كتاباتنا العربية نسمّي ذلك الصيام الإلكتروني في حين تسمّيه الكتابات الغربية بالحمية المعلوماتية Information Diet ، وهو مصطلح بدأ استخدامه عام 2009 وسبق أن تناول هذه الطريقة كتاب Information Diet المعروف والصادر في عام 2011. مبيناً أن الصيام الإلكتروني هو أحد مهارات "المواطنة الرقمية" التي نحتاجها في هذا الوقت، وأحد حلول مشكلة السمنة المعلوماتية أو الإدمان الإلكتروني على المستوى الشخصي، بعد أن أصبحت الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت والمليئة بتطبيقات التواصل الاجتماعي ترافقنا وتلاحقنا في كل أوقاتنا، وبدأت تمثّل تهديداً لحياتنا الشخصية وهدوئنا النفسي رغم ما تقدمه لنا من منافع. فالناس متصلون بالأجهزة الذكية كلّ الوقت تقريباً إذا استثنينا أوقات النوم وحالات محددة والارتباط الكبير بها والذي يصل لحد الإدمان هو كارثة لها آثارها السلبية علينا صحياً ونفسياً وعقلياً تتطلب منا البحث عن طرق للعلاج. موضحاً أن في الصوم الإلكتروني يمتنع مدمن الإنترنت والهواتف الذكية عن استخدامها جزئياً لفترة معينة، سواء في أيام محددة من الأسبوع، وهذا هو الأسلوب الأول لتطبيق ذلك، أو في فترة معينة من اليوم كلّ يوم، وهذا هو الأسلوب الثاني، أو يستخدمها يوماً ويتركها يوماً، وهذا هو الأسلوب الثالث، أو بتجنّب فئة معينة من التطبيقات والخدمات الذكية في أوقات معينة، وهذا هو الأسلوب الرابع، على أن يستخدم مكان الهاتف الذكي هاتفاً عادياً بلا إنترنت وبلا كاميرا؛ حتى يتمكن من إجراء المكالمات الصوتية وإرسال واستقبال الرسائل القصيرة. مشيراً إلى أن ما يساعد على نجاح الإنسان في تطبيق ذلك، أن يدرّب نفسه على عادة ترك حمل الهاتف الذكي معه دائماً أو إقفاله في حالات معينة، كدخول المسجد، وأثناء الاجتماعات، وقاعات المحاضرات، وفي المجالس العامة والعائلية، وفي الرحلات والمتنزهات، وفي وقت النوم، وأوقات المذاكرة، وعند قراءة القرآن، وتقييم الآثار الإيجابية لذلك عليه صحياً ونفسياً. ومن المفيد أن يستثمر الإنسان بعض الظروف التي يكون فيها كالسفر أو دخول رمضان في تقوية هذه العادة النافعة. وزاد بقوله: وفي مقابل ذلك قد يكون الصيام الإلكتروني إجراءً إجبارياً، حيث يجد الإنسان نفسه مضطراً لخوض تجربته؛ بسبب ضياع هاتفه الذكي أو تعطّله، أو بسبب طلب الطبيب منه ذلك، أو بسبب معاناته من واحدة أو أكثر من المتاعب الصحية والأمراض الإلكترونية. والأجمل أن يدرّب نفسه على ذلك اختياراً بحيث يصبح "الاستخدام الموازن للأجهزة الذكية" عادة من عاداته الحياتية اليومية. ويذكر "د. يوسف" بأنه قبل أربعة أشهر تعطّل هاتفه "الذكي" فكانت فرصة جيّدة له للابتعاد عن برامج التواصل الاجتماعي والواتس أب والإنترنت لثلاثة أسابيع. يقول: كنت أدخل الإنترنت من حاسبي المحمول، فوجدتُ وقتها راحة كبيرة ومساحة في الوقت، وأدركتُ حينها أن بإمكاننا أن نستغني عن 80% من استخدامنا للأجهزة الذكية دون أن يفوتنا شيء يمكن أن نخسره، وخاصة أن أكثر استخداماتنا للهواتف الذكية غير نافعة. ويبين العريفي أن الابتعاد عن الأجهزة الذكية بهذا المفهوم المتعلق بها ليس سهلاً في البداية، فقد يشعر بشيء من التوتّر والحرمان والرغبة الداخلية في العودة، ولكنْ بقليل من الصبر والإرادة يصبح ذلك سهلاً في المرة الثانية أو الثالثة. مشيراً إلى أن إيجابيات التجرِبة تمنحنا الإحساس بالراحة، وتخلّصنا من الضغوط المعلوماتية، وتحسّن قدرتنا على التركيز وصفاء الذهن، وتوفّر لنا الكثير من الأوقات المهدرة. واختتم حديثه بقوله: نحن الآن في شهر رمضان المبارك، وهو فرصة رائعة للتخفّف من ارتباطنا بالأجهزة الذكية والتسكّع في شاشات تطبيقاتها الاجتماعية ومحركات البحث وخدماتها التي لا تنتهي ولنجاحنا في التخلّص من التشتت الذهني وضعف التركيز وهدر الأوقات وما قد نعانيه من آلام العضلات والأعصاب، و لأن شهر رمضان المبارك يتطلب منا تغييراً في نمط حياتنا وتوزيع أوقاتنا، حيث يتطلب منا وقتاً أكبر لقراءة القرآن الكريم، وصلاة التراويح، والبقاء في المسجد لوقت أطول. وأيضاً، فإن سنة الاعتكاف التي هي الجلوس في المسجد في العشر الأواخر من رمضان للعبادة، تتطلب منا التخفّف من الأجهزة الذكية والإنترنت ليتفرغ القلب للعبادة. لكنْ يجب أن يكون هذا الصيام أو الامتناع الإلكتروني حقيقياً ولله لا رياء ولا سمعة. وبهذه المناسبة، فإني أنصح بتجنب قراءة القرآن الكريم في رمضان من المصاحف الإلكترونية؛ لأنها تجعل القارئ مشتتاً وفي مرمى استقبال تنبيهات الأجهزة الذكية وإشعاراتها. عزيزي القارىء.. جرّب أن تخوض تجربة الصوم الإلكتروني في هذا الشهر المبارك، ثم قيم أثرها الجميل على صحتك الجسدية والنفسية.