لو استمع الباحث الجديد للمُحبِطين أو المُحبَطين فمن المرجح أنه لن ينجز شيئا في حياته كلها. ولكن من المهم أن يسعى الباحث إلى اكتشاف شيء في تخصصه.. حتى لو كان إنجازا واحدا في عمره كله يصل إليه في سن متأخرة! والاطلاع على نجاحات الغير البحثية هو مصدر إلهام مستمر ومنبع أمل لا ينضب! خلال الأسبوع الماضي، حصلت عدة اكتشافات علمية مُلهمة. سأحدثكم عن واحد منها، وهو رصد موجات الجاذبية للمرة "الثالثة" في تجربة LIGO ليغو التي تطرقت إليها بإيجاز في مقال سابق بعنوان "جائزة نوبل في الطرق". وفي هذه المرة، رصدت التجربة "موجات جاذبية" ناتجة عن اندماج ثقبين أسودين، كلاهما تزيد كتلته على كتلة الشمس ب 31 و19 مرة. تقوم تلك الثقوب السوداء الثنائية Binary Black Hole بالاندماج في ثقب أسود واحد بعد عملية دوران لولبي يقوم بها أحدهما حول الآخر.. اعتاد بعض الكتاب على تسميتها ب"رقصة الموت". أثناء الدوران، يهتز الفضاء على هيئة موجات تسمى بموجات الجاذبية، وهي التي تنتشر في الكون من مركز تلك المنظومة. وبعد الالتحام يتحول جزء من كتلتي الثقبين الأسودين إلى كتلة للثقب الأسود الجديد، ويتحول الجزء الآخر إلى طاقة إضافية في موجات الجاذبية، ثم تنتهي تلك الموجات. ويبقى الثقب الأسود الجديد وحيدا بانتظار صيد جديد أو جرم فضائي سائب يبتلعه! ولهذا الحدث أهمية كبيرة من مناحٍ مختلفة؛ أولا، رصد موجات الجاذبية ودراستها هو شيء جديد علميا، ولكي يتأكد الباحثون من صحة اكتشافاتهم وسلامة استنتاجاتهم، فمن الضروري أن يتمكنوا من رصد موجات الجاذبية باستمرار. ثانيا، موجات الجاذبية المرصودة قادمة من ثقوب سوداء ثنائية، وهي التي درسها الفيزيائيون النظريون وتنبأت نماذجهم ببعض خصائصها والظروف التي تتولد فيها. لذلك فإن رصد المزيد من تلك الأنظمة الفيزيائية؛ سيقود إلى التأكد من صحة النظريات ومدى تطابق تنبؤاتها مع الواقع. ولأن الشيء بالشيء يذكر.. فإن أحد أهم الفيزيائيين النظريين الذين عملوا على تجربة ليغو، ومن كانت إسهاماته محورية في قدرة التجربة على رصد موجات الجاذبية بعد انتظار دام لعقود، هو الفيزيائي كيب ثورن Kip Thorne. وهو الفيزيائي نفسه الذي قد يعرفه بعض القراء الذين شاهدوا فيلم الخيال العلمي Interstellar. فهو من قام بالإشراف على المعلومات العلمية في الفيلم، وألف كتابا حول الفيزياء التي استخدمت فيه! أخيرا، الصبر هو مفتاح الاكتشافات العلمية.. والاكتشافات العلمية التي يتوصل إليها باحث ما (أو باحثون)، هي مصدر إلهام وشمعة في طريق باحث آخر.