انتهى اللعب يا قطر وأنتِ الآن تعيشين الحقيقة بمرارتها؛ جزيرة معزولة جغرافياً، وسياسياً، واقتصادياً؛ مجردة من دعم جيرانها، ضعيفة بدونهم، حائرة تدور حول نفسها بعد أن اكتشفت أنها مُنبتة فلا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت. عندما بدأ صناع سياسة قطر يتآمرون على المملكة منذ 25 عاما كانوا يراهنون على زعمهم بهشاشة البيت السعودي، وعلى دعم دولي من قوى في المنطقة، وعلى بعض التوازنات العالمية. وعندما حدثت تفجيرات 11 سبتمبر 2001م كثفت قطر جهودها لإثبات التهمة على السعودية، وتبرعت بدراسات مكثفة للداخل السعودي واقتراح عدد من السيناريوهات التي تستهدف القيادة السعودية العليا. كان بعض تلك الدراسات منشورة لإقناع النخب الغربية، والبعض الآخر على شكل تقارير ودراسات واستشارات خاصة بصناع القرار. واستخدمت قناة الجزيرة لخلخلة النسيج الاجتماعي السعودي ليفرز تيارات تتناحر. وتبنت قطر نخبا سعودية من الرجال والنساء عملت على تأهيلها للعصيان المدني ثم إدارت الفوضى من خلال أكاديمية التغيير وعبر برامج شاركت فيها دول كبرى منذ وصول الرئيس أوباما للسلطة. المملكة لم تكن غائبة عن المشهد، كانت تراقب، وترصد، وملف قطر يتضخم، والقلق السعودي يصل لقطر بشكل مباشر ومن خلال آخرين، وهناك دائما أمل بأن تؤوب إلى رشدها قطر. وكانت الشقيقة تزداد اصرارا ونرجسية، ليلوح في الأفق "الربيع العربي" فكانت قطر وقناة الجزيرة الناطقتان باسمه؛ فسقطت أنظمة وشُردت شعوب، وقُسمت أوطان، وقطر تواصل نخر ما تبقى من الدول العربية، وكان الصبر السعودي ينفد. ماذا ستخسر قطر لو أنها أغلقت قناة الجزيرة أو هذّبتها، وطلبت من الشيخ القرضاوي أن يصمت، ومن عزمي بشارة أن يرحل، وطردت كل من له علاقة بالإرهاب؟ فقدت قطر توازنها ولكنها حظيت بدعم الرئيس أوباما عشية سقوط نظام الأخوان في مصر منتصف عام 2013م. أوقفت المملكة كرة النار التي تتدحرج، ومنذ ذلك الحين والسعودية تصرح وتلمح، وقيادة قطر تعاند وتتبجح، وتقول مالا تفعل، وتوقع على ما لا تلتزم به، وتعمل الشيء وضده. وعندما استنفدت المملكة جهدها، وبلغ صبرها منتهاه عقب قمة القمم في الرياض، كان القرار البحريني، السعودي، الإماراتي والمصري بقطع العلاقات وحضر المرور البري والبحري والجوي. قرار صعب علينا يا قطر، بيد أنك عملت من أجله ربع قرن من الزمان، وحصدت ما تستحقين. المليارات التي أنفقت على قناة الجزيرة، وعلى مراكز البحوث والدراسات وعلى المستشارين الأجانب وعلى الصحف والقنوات الرديفة والذئاب الإعلامية المنفردة، أصبحت الآن خسائر مؤكدة. وبقي للشعب القطري من منجزاته الحقيقية الطيران القطري وحق تنظيم كأس العالم 2022م، وهما الآن على المحك. سنة واحدة في ظل هذا الوضع كفيلة بتدمير هذا الناقل العالمي، وكافية للتأكيد للعالم أن قطر أقل شأنا من أن تستضيف كأس العالم. والخيار بيد ساسة قطر: إما ضعف متواصل بعيدا عن العمق الخليجي والعربي وإما قوة دافعة بالعودة إلى المكان الطبيعي اللائق بشعب قطر. أخطأت القيادة القطرية مؤخرا في أنها لم تقرأ جيدا ما طرأ على السياسية السعودية الخارجية من تحولات جذرية في العامين الأخيرين، ولم يفهم الشيخ تميم جيدا مفردات خطاب الملك سلمان في قمة القمم التي استضافتها الرياض. ولعله في الوقت بدل الضائع ينظر بواقعية لجزيرته المعزولة بقرار من أخوته، ويكون شجاعا ويكرر سيناريو تنازل والده عن السلطة، ويقدم أنموذجا في التضحية من أجل قطر ومن أجل دول مجلس التعاون ويتنازل عن الحكم إذا كان غير قادر على التنازل عن أوهام السياسة القطرية النشاز. ماذا ستخسر قطر لو أنها أغلقت قناة الجزيرة أو هذّبتها، وطلبت من الشيخ القرضاوي أن يصمت، ومن عزمي بشارة أن يرحل، وطردت كل من له علاقة بالإرهاب؟ وماذا ستفقد إن هي سلّمت المطلوبين إلى بلدانهم، وأقفلت أبوابها في وجه تنظيم الأخوان المسلمين، وتحوّلت من "كعبة المضيوم" المزيفة إلى عضو حقيقي في مجلس التعاون الخليجي؟