سيأتي يوم يكتب فيه أحدهم تاريخ الإعلام العربي، وحتماً سيخصص فيه فصلا لثلة من "المؤلفة جيوبهم"، وهم قطيع المتناقضين الذين مارسوا ألاعيب إعلامية أكل عليها الدهر وشرب، ربما كانت تثمر في أزمان مضت وأيام ولت، قبل أن يتحول الكون إلى قرية صغيرة. وكاتب التاريخ هذا سيتوقف ملياً عند سؤال غريب، قد لا يجد جوابه بطبيعة الحال: لماذا يكره عبدالباري عطوان السعودية؟ وما الذي يدفعه ليقفز بين قنوات وصحف مردداً أقوالاً ثم ينقضها في أخرى؟ أتخيل كيف سيفسر الموقف الثابت للرجل المتقلب دوما من المملكة.. كيف سيقرأ محاولاته المستميتة في لقاءاته بالإعلام الغربي ربط المملكة بداعش، وكيف يحاول بسرد مفضوح ربط اسم الإمام محمد بن عبدالوهاب بما تفعله داعش، ليعود بعدها متحدثاً عن داعش العظيمة التي استطاعت إنشاء دولة نواتها العقداء وجنرالات الجيش العراقي البعثي! ليرد على نفسه بنفسه فاضحاً كذبه وتدليسه. وسيعرف أن عطوان محير فعلاً، ففي حديثه عن الملف الإيراني بدأ يتباهى بتحول إيران إلى"قوة إقليمية عظمى، لأنها موجودة في العراق وفي سورية وفي لبنان، وفي اليمن"، ساخراً من عدم تحرك السعودية تحديداً للرد على هذا الانتشار الإيراني، ليمزج بين أمانيه وتحليله "رئيس إيران سيتولى تعيين حكام منطقة الخليج قريبا، والخليج سيتم حكمه من طهران!"، مطالباً بالتواجد "ولو على جبهة واحدة"، لكنه نكص عن مطالبه، وبدأ يتباكى، ما إن قررت المملكة قيادة تحالف عربي إسلامي لردع الحوثي وحلفائه، فعاد يدندن على معزوفته النشاز "لا بد أن تكون بوصلة الجيش للقدس"، ليعود ويحمل لواء القضية ويرتدي زي النضال الزائف، ثم أطل علينا بوجهه المتلون كضميره عندما هلل كثيراً لصاروخ أطلقه الحوثي وأسقطته دفاعات المملكة قرابة مكةالمكرمة، ليرد أيضاً على نفسه بنفسه ويكشف زيف دعواه وكذب حججه. ولا شك أن كاتب التاريخ سيقف كثيراً عند عمى الألوان الذي أصاب عطوان، ففي حين يفترض به أن يقف مع الشعب السوري، اختار أن يلصق جور الأسد وظلمه بالمملكة، كغيره من الكاذبين الخانعين سجوداً على السجاد الفارسي، لكنه لا يعرف أن إصراره لإقحام المملكة في كل صغيرة وكبيرة أصبح مفضوحاً في عصر "العولمة"، من ذلك حين ابتدع تصريحاً صادراً من أنقرة يتهم المملكة بالضلوع في الانقلاب الفاشل في تركيا ونسبه لجريدة الصباح التركية ، وهذه المرة كانت الفضيحة أن لا وزارة الخارجية صرحت بذلك ولا حتى جريدة الصباح، ليعود في مداخلات تلفزيونية محاولاً حجب الشمس بغربال ترهاته. ولا غرابة إن لخص صاحبنا سيرة عطوان بسطر أخير: ليبرالي يمجد بن لادن، وقومجي ينافح عن الفرس، وثورجي الشيكات الذي يتحدث باسم الفقراء.