المتابع عن كثب للسياسة القطرية، لن يفاجأ بالزوبعة الجديدة التي أثارتها تصريحات أمير قطر الشيخ تميم، والتي جاءت امتداداً لمواقف وسياسات لا يجمع بينها سوى مخالفة الإجماع العربي، والخروج على وحدة الصف، ما هو غير مفهوم في التصريحات الجديدة هو توقيتها بعد قمة تاريخية في الرياض شهدت موقفاً جماعياً واضحاً عربياً إسلامياً أميركياً تجاه التدخلات الإيرانية ومشروعاتها التقسيمية في المنطقة، ودعمها المنظمات والجماعات الإرهابية، كما شهدت موقفاً حازماً تجاه الإرهاب وداعميه، وهي القمة التي حضرها أمير قطر شخصياً، ما يعكس استمراء القيادة القطرية لأسلوب المناورات، و إثارة الزوابع، بحثاً عن دور ما لأحد بإمكانه معرفته على وجه التحديد، كما أن لا أحد يعرف كيف لقطر أن تحقق حضورها المتوخى هذا حال خروجها على الإجماع الخليجي والعربي، وتماهيها مع المشروعات المضادة للأمة، وهو ما يثير التساؤل، فأي دور ستلعبه دولة معزولة، ما سيبقى لها من علاقات في الإقليم سينحصر في دولة معزولة أخرى هي إيران. في ظل تعدد الدروس والتجارب، التي أثبتت عبثية السلوك القطري مع الأشقاء، وخروجها خالية الوفاض من المشهد الإقليمي، كان حرياً بالقيادة القطرية أن تعيد النظر في نهجها، وتعيد تقويم سياستها التي لم تثمر شيئاً سوى عزلها في محيطها، وتكريس صورة الدولة المارقة في الوعي الشعبي العربي، لم تعتبر السياسة القطرية من تجربة العزل الخليجي قبل ثلاثة أعوام جراء أدوارها المشبوهة تجاه دول التعاون ومصر، و نكثها بالوعود التي قطعتها في "اتفاق الرياض" بالتزام الإجماع الخليجي والعربي، توقع الجميع أن تكون عودتها مرة أخرى للصف الخليجي درساً أخيراً ستفهمه الدوحة جيداً وتقلع عن تقلباتها المفاجئة ومناوراتها غير المفهومة، إلا أنها لم تستغل الفرصة السانحة وحرص المملكة وأشقائها على فتح صفحة جديدة معها لرأب الصدع. تجمع السياسة القطرية بين المتناقضات، في صورة محيرة، تبعث رسائل ملتبسة في غير اتجاه، فترسل إشارات دافئة لإيران التي تعيث فساداً في المنطقة، ولإسرائيل التي تحتل دولة عربية، ثم تتحدث عن الهموم العربية، تغمز من قناة دول شقيقة ثم تتشدق عن وحدة الصف، السياسات الملتبسة لا تصنع دولاً، ولا تقيم علاقات طبيعية، لقد كان الخيار واضحاً أمام الدوحة، إما أن تكون دولة طبيعية تلتزم محددات السياسة الدولية وتمتنع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وإما أن تكون دولة جانحة مثل إيران، تلعب دور الرجل الشرير في المنطقة، وتحرك خيوط الشر على المسرح الإقليمي، غير أن التصريحات الأخيرة لأميرها لا تحمل على التفاؤل بقطر جديدة تنتظم في سلك الإجماع الخليجي العربي، وتعتزل سياسة التدخل إثارة الزوابع في منطقة لا يعوزها مزيد من الزوابع.