أجبرت بعض الأعراف الموجودة في المجتمع على وقوع بعض الفتيات في فخ الزواج في سن مبكرة، دون مراعاة عمر الفتاة، وعلى الرغم من الأصوات التي تتعالى بين الفينة والأخرى للقضاء على هذه الظاهرة إلاّ أننا لا نزال نسمع بين فترة وأخرى بزواج قاصر من رجل مسن، ومؤخراً رفض رئيس محكمة في ينبع زواج فتاة في السادسة عشرة من عمرها بمسن يكبرها بنحو (60) عام. إن ما نُشاهده من وقوع حالات لزواج قاصرات أو زواج غير متكافئ في السن بين طرفي العلاقة يتطلب سن قانون يضع الضوابط الشرعية المنظمة وكذلك العقوبات الرادعة للمخالفين، إضافةً إلى زيادة التوعية لدى أفراد المجتمع عن المخاطر المحتملة التي قد تنجم من هذا النوع من الزواج. معطيات عقلية ونفسية وقال د. هاني الغامدي -محلل نفسي ومتخصص في القضايا الأسرية والمجتمعية-: إن المهم هو كيفية التعاطي مع الفهم العام لموضوع العلاقه الزوجية مع الزوج، والالتزامات الخاصة ببيت الزوجية ومنها الأمور الخاصة بالعلاقة الحميمة، مضيفاً أن الفتاة الصغيرة ليس لديها وعي كافٍ وبالتالي نحن أمام معضلة لا نستطيع أن نجد لها حلاً، بل هي مؤثرة وبشكل مباشر على المعطيات العقلية والنفسية والجسدية لهذه الفتاة، من هذا المنحنى نحن ننصح بأن لا يكون سن الزواج سناً متأخراً لكن يكون سناً متوازناً، مبيناً أننا لا نستطيع أن نضع سناً محدداً لكن أقل تقدير هو ما يقبله عامة المجتمع وهو الانتهاء من الدراسة الثانوية، أو في حدود هذه السن، خلاف ذلك نحن نعتبر وبنظرة نفسية واجتماعية بهذا الزمن الذي نحن فيه بأن ما قد يقل عن هذا السن مؤثر وبشكل مباشر، أولاً على المعطيات الخاصة على الفرد وهي البنت التي تم تزويجها على المفهوم العام للديناميكية الخاصة بالحياة الزوجية والمعطيات التي قد تؤثر بشكل سلبي لاحقاً على ما تقدمه هذه الفتاة بجهالة من عدم معرفة من كثير من الأمور التي يجب أن تكون على علم بها. تعريف القاصر وأوضح الشيخ هاجد المحمدي -مستشار أسري واجتماعي- أن التعريف الاجتماعي للقاصر وهو كل فرد يعجز عن تولي مسؤولية نفسه القانونية والاجتماعية بسبب حالته العقلية والجسدية والعمرية، مضيفاً أن هناك عدة أسباب لزواج القاصرات منها عدم الشعور بالمسؤولية من ولي القاصر، مبيناً أنه أوجب الإسلام على الوالدين مسؤولية تربية الأبناء والقيام بكل ما يكفل لهم الحياة الكريمة من غير تعدي على حقوقهم ومنها اختيار شريك الحياة أو شريكة الحياة، ذاكراً أن أي تهاون أو إخلال من الولي في الحقوق للقاصر أو استغلاله لتحقيق مصالح خاصة يعرضه للمحاسبة الشرعية والقانونية، مشيراً إلى أنه يُعد الفقر أحد الأسباب لبروز هذه الظاهرة، مما يضطر الأسرة إلى استغلال القاصرة وتزويجها من أجل الكسب المالي. وأضاف أن الخوف من العنوسة أصبح هاجساً مقلقاً، حتى أصبح مجرد وجود الخاطب فرصة لا تعوض ولا يمكن تفويتها دون النظر في حالة القاصرة واستعدادها النفسي والاجتماعي والجسدي للزواج. ناحية بيولوجية وأكدت وفاء الطيب -كاتبة وناشطة في حقوق المرأة- على أن قضية زواج القاصرات أصبحت محصورة بين فئتين من أولياء الأمور، فئة تقر بمشروعيته وترى أن من مصلحة الفتيات الزواج المبكر بغرض الإحصان والإعفاف، وترى أيضاً أن الحاجة إلى ولي ينفق على الفتيات الصغيرات في ظل غلاء المعيشة ونفقات تربيتهن يبرر زواجهن ومعيشتهن في كنف زوج مقتدر، في حين أن الفئة الأخرى لا تقر هذا الزواج لإيمانها بأن الزواج مسؤولية متكافئة بين طرفين يجب أن يكونا على وعي تام بما يترتب على الشراكة الزوجية من التزام بالانفاق من أحدهما والالتزام بفراش الزوجية عند الطرف الآخر، إلاّ أن كلا الطرفين لم ينظرا إلى زواج الفتاة القاصرة من الناحية البيولوجية في حالة حدوث حمل وإنجاب وما يحدث من مضاعفات، فكيف يمكن لطفلة أن تقوم بتربية طفلة وتنشئتها وحضانتها، فالأمومة مسؤولية. عقد النكاح وقال محمدالمسفر -محامي وقانوني-: يتم إجراء عقد النكاح من قبل مأذوني الأنكحة المرخصين من وزارة العدل أو لدى المحاكم بحسب الأحوال ويجب التدقيق في استيفاء طرفي الزواج لكامل الشروط والمتطلبات ومنها شهادة الفحص الطبي قبل الزواج الإلزامي، وعيادات المشورة للراغبين في الزواج ومختبراتها لا تعطي شهادة طبية للأطفال القُصَّر بينما يتم توقيع الطرف الذي لم يتجاوز عمره (18) عاماً لإقرار بموافقته على الزواج ويتم التأكد من مناسبته له، والطرف الذي لا يناسبه الزواج لصغر سنه يُفترض ألاّ يمنح شهادة توافق من مختبرات فحص الزواج، كما أن الفقرة الثالثة من المادة (16) من اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل نصت على مايلي: "يلزم قبل إبرام عقد الزواج التأكد بأن تزويج من قل عمره عن ثمانية عشر عاماً لن يلحق به الضرر ويحقق مصالحه الفضلى ذكراً كان أو أنثى"، لذا فعند وجود شهادة الفحص الطبي قبل الزواج يمكن لعاقد الأنكحة إجراء العقد بعد استيفاء الإجراءات الأخرى. قانون ملزم وأوضح د. غازي العارضي -رئيس كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- أن الفقهاء ناقشوا مسألة زواج الصغيرة والدخول بها، فأجاز بعضهم العقد فقط، ومنع آخرون، بينما اتفقوا على منع الدخول بها بمعنى المعاشرة الزوجية حتى تبلغ، ولا يمكن أن يتعارض الحكم الشرعي مع حقائق الطب الحديث، فإذا ثبت علمياً خطورة معاشرة الزوجة الصغيرة التي لم تبلغ، فإن الحكم منوط بذلك وجوداً وعدماً، ولا يصح شرعاً تجاهل الناحية النفسية، التي تدور على فلك القناعة والرضا، لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط صحة زواج البكر بالاستئذان فقال: "لا تُنكح البكر حتى تستأذن الحديث"، ومن هنا فإن زواج الصغيرة القاصرة يتنافى مع الحديث الشريف، ويزداد الأمر خطورة حينما يقترن ذلك بالمعاشرة الزوجية للصغيرة، وعليه فإنه في حالة تعرضها لمخاطر صحية فعلى الزوج تحمل تبعات ذلك، مما يدخل في الجناية والاعتداء غير المبرر، ولقطع هذا الجدل لا بد من سن قانون ملزم، تنبع مواده من الفقه الشرعي، داعياً إلى سن قانون يضع الضوابط الشرعية المنظمة للسن المناسب للزواج من الجنسين، ووضع العقوبات الرادعة للمخالفين. عرضة للمخاطر وأكد د. علي الأسمري -أخصائي نساء وولادة- على أن زواج القاصرات يجعلهنّ عُرضة لمخاطر عديدة على الصعيد الطبي والنفسي والاجتماعي، مما جعل الكثير من المنظمات والأعراف الدولية تكون مناهضة له، فعلى الصعيد الطبي الفتاة القاصر عادةً ما تكون في طور النمو وتحديداً النشاط الهرموني والذي يضطرب بالزواج المبكر جداً، مما يقود بالتالي إلى تعسر الولادة الطبيعة في الأعمار الصغيرة، كذلك هن عرضة لحالات الإجهاض والحمل العنقودي ذي النشاط السرطاني في ظروفه السيئة، إضافةً إلى مضاعفات أخرى قد تصل إلى الوفاة أثناء الولادة، مضيفاً أنه على الصعيد النفسي هن عُرضة أكبر من غيرهن للاكتئاب ما بعد الحمل مما يجعلهن يشعرن بالعزلة والانطوائية والتي قد تعود بسلبية على صحة الأم والطفل، فيشعرن بالابتعاد والاهمال والخوف في كثير من الحالات بحسب الدراسات الحديثة، مبيناً أن الوعي لا يزال غير مكتمل عند المرأة الناضجة، إضافةً إلى الشعور بالمسؤولية والذي حتماً يلقي بظلاله على هذه الإشكالات، كما أن اهتمامات المراهقة لا تزال تصحبها في هذا الفترة من العمر مما يجعل التفاهم أصعب منه في عمر متقدم، خاصةً في علاقة خاصة متينة كالعلاقة الزوجية. سن التكليف وتحدثت منيرة المهيزع -إعلامية- أن زواج القاصرات تجاوز لكل القيم الدينية والإنسانية فقد كرّم الإسلام الأنثى، مضيفةً أنه يعتبر سن الثامنة عشر هو سن التكليف فكيف ينتهك سن طفولتهن وتخطف أحلامهن وتوأد ضحكاتهن ويقاد مصيرهن نحو المجهول تحت مسمى الستر، متسائلةً: كيف لولي أن يضع مصير صغيرته التي لا تحسن تدبر الأمور في كف المجهول؟، مبينةً أن من مقومات الحياة الزوجية تكافؤ الزوجين في الإدراك والفتاة الصغيرة قاصر قليلة نضج فكيف يكون هذا الزواج متكامل الأركان؟، ناهيك أن الزوج يفوق عمر الأب في الغالب وكأنه يشتري زمناً لعمره على حساب تلك الصغيرة، مُشددةً على ضرورة تكثيف الإعلام الوعي عن حقوق المرأة والطفل، ويجب أن يكون هناك برامج مباشرة لتلك القضايا للطرح والمعالجة، حيث إن هناك حاجة إلى تثقيف الصغيرات القاصرات وهذا دور منوط بالتعليم والإعلام بالشراكة. التوعية لا تكفي وتأسفت فاطمة الحسن -خريجة إعلام- على أن زواج القاصرات هو أكبر دلالة على استمرارية الجهل عند بعض الأسر، وعلى رغم أن التوعية بدأت تنتشر في الجيل الحالي إلاّ أن الجيل السابق من آباء وأمهات بحاجة إلى قانون يمنعهم من ممارسة هذه السلطة الظالمة على القُصّر، ويعطي كل ذي حقٍ حقه، مضيفةً أن هذه الظاهرة حتى وقتنا الحالي لا زالت موجودة، وأن الجهل لا زال "يعشش" في عقول البعض ويحتاج لاجتثاث من الجذور، متسائلةً: ماهو السبب الدافع لتزويج الأب ابنته بعمر الطفولة؟، مبينةً أن كل حالة رأتها عينها هي طفلة تأخذ زوجها كأب ثانٍ بسبب فارق العمر بينه وبينها، فكم من حالة زواج قاصرة تسبب بهروب فتيات، وكم من حالة كان مصيرها الطلاق، وما خفي كان أعظم، لافتةً إلى أنه لم يعد الوعي حلاً بقدر ما إننا بحاجة إلى قانون يحفظ حق القاصرات، فهنَّ أمانة في أعناق ولاة أمورهن. د. هاني الغامدي د. غازي العارضي د. علي الأسمري محمد المسفر فاطمة الحسن ننتظر سَنّ قانون ملزم يمنع أي زواج غير متكافئ السن