فجع الوسط الإعلامي بوفاة علم من أعلامها، وأحد الذين أرسوا دائمها وبنوا مجدها الأستاذ الكبير تركي بن عبدالله السديري ملك الصحافة كما أطلق عليه خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز "يرحمهما الله" تقديراً لجهوده في تطوير جريدة الرياض بشكل خاص وتطوير الإعلام السعودي بمختلف وسائله وتعزيز قدراته. أبو عبدالله مارس العمل الصحفي لأكثر من نصف قرن وبدأ مسيرته المهنية كمحرر رياضي ثم انطلق مسنوداً بقدراته الكبيرة في فضاءات النجاح يترقى من منصب إلى آخر إلى أن تسلم رئاسة التحرير ثم المشرف العام على صحيفة الرياض أكبر وأشهر صحيفة في المملكة والخليج. لم يكن رحيل السديري خبراً عادياً وأمراً هيناً بل أحزننا كثيراً وأدمى قلوبنا، وهذا ما جسدته الوجوه الحزينة من المصلين والمشيعين باعتبار فقدانه خسارة فادحة لمهنة الصحافة في بلادنا وللشباب الصحفيين الذين سيفتقدون نصائحه وتوجيهاته المهنية، ويفتقدون ابتسامته الوضيئة، فالراحل العزيز يتمتع بمساحة شاسعة من الحب يكنها محبوه له، لكنها إرادة الله لا اعتراض عليها، وهذه سنة الحياة ودرب كلنا سائرون عليه عاجلاً أو أجلاً مصداقاً لقوله تعالى (كل من عليها فان)، ومن حقه علينا وهو تحت الثرى الآن أن ندعو له، ونتذكر محاسنه الطيبة، وأعماله الجليلة التي تخلد ذكراه. يعد أبو عبدالله بحق من أبرز القيادات الصحفية ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العربي أيضاً، و ترأس كثيراً من الهيئات والاتحادات الصحفية فهو أول رئيس لهيئة الصحفيين السعوديين، ورئيس اتحاد الصحفيين الخليجيين، بل هو مدرسة صحفية بعلمه وخبراته ومهاراته وعلاقاته تخرج على يديه العديد من رؤساء التحرير من أبرزهم: محمد أبا حسين، وطلعت وفا، الله يرحمهم، ود. علي القرني ، ود. عبدالله الجحلان، ود. تركي العيار، ومحمد الوعيل، وسلطان البازعي، وعبدالوهاب الفايز، وسليمان العصيمي، وفهد العبدالكريم. فعلى المستوى الشخصي استفدت كثيراً من مدرسة تركي السديري الصحفية عندما بدأت متعاوناً في الصحيفة عام 1398 وأنا في أواخر المرحلة الثانوية من خلال توجيهاته السديدة ونصائحه المفيدة ودعمه وتشجيعه للكوادر السعودية الشابة بالمكافآت المجزية، كان يحب التعليقات والمزح ويحاول أن يلطف أجواء العمل الصحفي اليومي المضني والشاق. بعد تخرجي من الجامعة عرض علي الأستاذ تركي السديري التفرغ للعمل في الصحيفة وبمزايا عديدة، لكنني فضلت العمل الأكاديمي بحثاً عن الأمان الوظيفي والاستقرار، وقبل سفري لمقر البعثة للدراسات العليا عام 1403وجه أبو عبدالله "غفر الله له" بإقامة حفل توديع داخل مقر الصحيفة في مبناها القديم في الملز تحت كوبري الخليج ارتجل لحظتها كلمة مؤثرة فيها ثناء وتوجيه ونصح ودعوات طيبة من أب لأبنائه، ثم ناداني بمفردي في مكتبه وطلب مني التواصل مع الصحيفة من مقر الدراسة ببعض التقارير عن أحوال المبتعثين وقضاياهم ومشاكلهم واحتياجاتهم. فهذا الدعم المستمر والاهتمام بالكوادر الصحفية السعودية من الأستاذ تركي السديري خصوصاً في ظل ندرة الصحفيين السعوديين في ذلك الوقت ساهم كثيراً في أن تتبوأ صحيفة الرياض المكانة الأولى بين الصحف المحلية في سعودة محرريها، وأول صحيفة تنشئ قسماً نسائياً وتعين مديرة تحرير عليه، وأول صحيفة أيضاً تشرك محرريها في عضوية مؤسسة اليمامة الصحفية، وتدفع لكافة منسوبي الصحيفة مكافآت الأرباح السنوية حتى لو لم يكونوا أعضاء في المؤسسة. وعلي صعيد الجامعة أبدت صحيفة الرياض بقيادة ربانها الماهر الأستاذ تركي تعاوناً منقطع النظير مع جامعة الملك سعود، وتجسد هذا التعاون في اهتمامها الكبير بتغطية أخبار الجامعة وعكس أنشطتها وفعالياتها المختلفة، خصوصاً المتعلق بتطوير العملية التعليمية وتنمية الأبحاث العلمية وقضايا الطلاب. وحرصاً منها على تعزيز التعاون وضمن برامجها مع جامعة الملك سعود عمدت صحيفة الرياض إلى إنشاء كرسي علمي بعنوان " كرسي جريدة الرياض للدراسات الصحفية والإعلامية" ليتولى تقديم دورات تدريبية للصحفيين ودراسات متخصصة في مجال الإعلام، فضلاً عن ورش عمل متخصصة للصحفيين لتطوير أدائهم وصقل قدراتهم المهنية، وكذلك إعداد الدراسات العلمية والاستشارات الفنية التي من شأنها دفع عجلة الأداء نحو مزيد من الجودة.