انتهت الزيارة الخارجية الأولى لفخامة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتي حدد أولى أولوياتها أن تكون المملكة العربية السعودية هي أول بلد يزوره، وفيما يلي مقتطفات مما اجتمع عليه المحللون والكتَّاب الأميركيون فيما يتعلق بتلك الزيارة التاريخية وأهم مخرجاتها. كان من أهم ما تعرضوا له هو أنهم يرون أن الزيارة الأولى للرئيس ترمب خارج البلاد، وخاصة في اختيار المملكة العربية السعودية كأول بلد على رأس قائمة زياراته، مثلت فرصة تبدو بوضوح أنها مائلة في اتجاه لقاء الرئيس روزفلت غير المسبوق وبعيد المدى مع الملك عبدالعزيز في فبراير 1945. توطيد العلاقة العسكرية مع الرياض يزيد الاتساق مع بلدان التحالف لهزيمة داعش والجماعات المتطرفة ولقياس أهمية هذا الحدث، لابد من النظر إلى أبعد من الإقرار بأن مثل هذا الاجتماع لم يحدث مثله من قبل، فمن خلال اختيار الرئيس ترمب للمملكة العربية السعودية أن تكون المحطة الأولى في زيارته التاريخية كأول زيارة رسمية له إلى أي بلد أجنبي، نرى أن الرئيس ترمب كان حريصاً على اغتنام هذه الفرصة لتدشين صفحة جديدة وأكثر إيجابية تجاه العرب والمسلمين في المنطقة وخارجها، ذلك لأن المملكة العربية السعودية هي القبلة لمسلمي العالم البالغ عددهم حوالي (1٫6) مليار نسمة ويمثلون ما يقرب من ربع البشرية. وجدير بالذكر أنه توجد ضمن شعوب هذه المنطقة أعداد كبيرة كان قد طال انتظارها لوجود هذا النوع من القيادة الأميركية منذ فترة طويلة، وتتحدث الزيارة عن نفسها بتحديد مدى أهمية هذه البلدان بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وبتأكيدها على أهميتها الحاسمة لأصدقاء أميركا وحلفائها وبقية العالم. ليس هناك أي لبس أو شك حول حقيقة أن من ضمن (212) بلداً من كوكب الأرض هناك (193) عضواً في الأممالمتحدة، يرغب جميعهم إلا عدد قليل منهم في استضافة رئيس أكثر الدول قوة اقتصادياً ومالياً وعلمياً وتكنولوجياً وتعليمياً وعسكرياً. وكذلك ما ميز زيارة الرئيس ترمب إلى الرياض ضمن فوائدها المتعددة أنه قد التقى ليس فقط مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، بل وأيضاً مع رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس عام 1981 ويضم البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك فقد اجتمع الرئيس ترمب يوم الأحد مع ممثلي (55) دولة ذات أغلبية مسلمة. فمن ناحية، كان الهدف من هذا الجزء من الزيارة هو التماس مساعدة هذه الدول ضد التهديدات التي يشكلها المتطرفون الأصوليون والتدخل الإيراني، ومن ناحية أخرى، كان الهدف هو المساعدة على وضع حد لإراقة الدماء التي تراق حالياً في خمسة من بلدان العالم العربي ال(22). لقد اعتاد الأميركيون منذ فترة طويلة على الاعتقاد بأن أكبر عدد من القوات المسلحة الأميركية في الخارج موجود في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، لم يعد ذلك صحيحاً على الأقل جزئياً، فإن أكبر عدد من القوات الأميركية متمركز حالياً في الخليج العربي، وبالتالي هناك أهمية إضافية لزيارة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية لأنها أيضاً مقر مجلس التعاون الخليجي. وقد أرسلت اجتماعات الرئيس ترمب مع هؤلاء القادة الآخرين المؤثرين رسالة قوية عن المشاركة الأميركية وتوقعاتها والتزامها بالعمل المتضافر دولياً بقيادة الولاياتالمتحدة ضد التطرف العنيف، كما أعربت تلك الزيارة عن وجود عزم شديد وترحيب لانضمام الولاياتالمتحدة إلى دول مجلس التعاون الخليجي والجهود العربية والإسلامية الأخرى للتضافر في الرد على تدخل إيران في العراق، ولبنان، وليبيا، وسوريا، واليمن. وقد تمخضت الزيارة أيضاً عما كان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قد اجتمعوا مؤخراً في الرياض لمناقشته بشأن زيارة الرئيس ترمب المرتقبة، وكانوا قد عقدوا العزم على وضع علاقات بلادهم مع الولاياتالمتحدة على أساس أكثر رسوخاً مما كانت عليه في العام الأخير من إدارة الرئيس أوباما. وقد تمثل ذلك في البيان الذي أصدره الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني قائلاً: إن وزراء الخارجية سيبحثون الاستعدادات الجارية للاجتماع التشاوري لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي المزمع عقده في الرياض بالإضافة إلى قمة الولاياتالمتحدة - مجلس التعاون الخليجي والقمة العربية - الإسلامية - الأميركية التي عقدت في الرياض أمس الأحد خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية. وأضاف الزياني أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي سيناقشون أيضاً التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة، إلى جانب أفضل السبل لتعزيز جهودهم العالمية مع أميركا وغيرها من الدول في مواجهة التشدد الأصولي. وحدث ذلك وتمثل في أن الولاياتالمتحدة قد عززت هدفها العسكري الإستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي المتمثل في تعزيز الأمن والسلام الإقليميين، وكان الهدف العام من الاجتماعات التي تمت في الرياض هو المضي قدماً على وجه الخصوص في الشراكة الإستراتيجية ذات الطبيعة الخاصة بين الولاياتالمتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية؛ ذلك لأن المملكة العربية السعودية هي أحد أهم شركاء الأمن القومي الأميركي خلال السنوات الثمانين الماضية وهي أطول مدة بالمقارنة مع أي دولة نامية أخرى. ومن ناحية أخرى فقد توصل الرئيس ترمب إلى عقد حزم مبيعات عسكرية أجنبية بملايين الدولارات إلى المملكة العربية السعودية والتي تشمل سفناً، وبطاريات دفاع صاروخية، وأنظمة أمن بحري. إن أهمية الصفقات التجارية بهذا الحجم التي حققها الرئيس ترمب لن يستطيع مستشارو الدفاع والمحللون تجاهلها بأي شكل؛ لأن ذلك يمثل سياسة عكسية أخرى مهمة ومخالفة لموقف البيت الأبيض قرب نهاية إدارة الرئيس أوباما. وقد أقر الجانبان الأميركي والسعودي بأن المجالات المحددة التي تحتاج إلى مزيد من العلاقات الوثيقة تشمل الدفاع والأمن، فضلاً عن التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي. إن الوقت الذي قضاه الرئيس ترمب في الرياض يشير إلى اتفاق الإدارة الأميركية على أن السعودية شريك حاسم لمواجهة جهود إيران الرامية إلى تقويض الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة، كما أن من شأن توطيد العلاقة العسكرية بين واشنطنوالرياض أن يزيد من الاتساق ما بين أميركا وبلدان التحالف في سعيهم المشترك لهزيمة تنظيم داعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات المتطرفة العنيفة. وعلى صعيد آخر، فقد كان من أهم مُخرجات هذه الزيارة تحقيق أحد أهم أهداف المملكة العربية السعودية ذات الأهمية الكبيرة وهو الحصول على تأييد أميركي رسمي ودعم عملي ل«رؤية 2030» وخطة التحول الاقتصادي الهائلة في المملكة ومضمون هذا التحول -الذي يقوده ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومسؤولون آخرون- إن السعودية قد بدأت بالفعل التخطيط للمستقبل بطريقة لم يسبق لها مثيل، لذلك فقد ناقش الرئيس ترمب ومضيفوه السعوديون الآثار المترتبة على تلك التحولات في اقتصاد المملكة الذي يمر الآن بتغيير هائل وبعيد المدى، فالتنويع والخصخصة والاستعاضة عن العمال الأجانب بالمواطنين، وتحسين الدخل ومستويات المعيشة لمواطني البلاد، كل ذلك يعتبر من أهم مفاصل الخطة الشاملة الجديدة، كما تمثل هذه الخطة فرصة غير مسبوقة للشركات والمصنعين الأميركيين وتجار التجزئة ومقدمي الخدمات للاستفادة بشكل كبير حيث أصبح هناك رغبة أميركية متزايدة للاستثمار في المملكة والعكس بالعكس، كل ذلك ينسجم ويتماشى مع رؤية الرئيس ترمب ورغبته في تعزيز أيديولوجيته المعنونة «أميركا أولاً» وأكد كثير من المتابعين أنه قد بدأت بالفعل بشائر اهتمام كبير من قبل العديد من الشركات المالية الأميركية تتمثل في أنها بدأت تتحرك بسرعة لتأمين موطئ قدم لها في البلاد ومما يعزز ثقة ممثلي قطاع الأعمال من كلا الجانبين.