إن بكين عاصمة جمهورية الصين الشعبية تلفت أنظار العالم مرة أخرى هذه الأيام إذ أنها تستضيف منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في يومي 14 و15 مايو الجاري. طريق الحرير معروف لدى الجميع، ولكن يا ترى ما هو «الحزام والطريق»؟ إن «الحزام» يقصد إلى الحزام الاقتصادي على طول طريق الحرير البري، و«الطريق» يعني طريق الحرير البحري للقرن ال21 اللذان طرحا من قبل الرئيس شي للمرة الأولى في سبتمبر وأكتوبر من عام 2013 في زيارتي الدولة اللتين قام بهما آنذاك إلى كازاخستان وإندونيسيا. واستنادا إلى روح طريق الحرير القديم والمتمثلة في "السلام والتعاون والانفتاح والشمول والتعلم المتبادل" التي تستمر إلى يومنا هذا، تهدف مبادرة «الحزام والطريق» إلى بناء شبكة عالمية حديثة تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا بهدف تعزيز التنمية المشتركة بين جميع الأطراف. إن مبادرة «الحزام والطريق» هي فكرة صينية، إلا أنها جاءت استجابة لحاجة التنمية والتعاون بين الدول الآسيوية والأوروبية، فالصين لا تنوي العزف المنفرد، بل سيمفونية بمشاركة جميع الدول على مد «الحزام والطريق». تدعو وتتمسك الصين ب«3 تشاركات» كأساس ومبدأ لبناء «الحزام والطريق»، ألا وهي التشارك في المناقشة والتشارك في البناء والتشارك في الفوائد. إن الفرص التي خلقتها المبادرة تنتمي إلى العالم. لذلك لقيت المبادرة إقبالا واسع النطاق من المجتمع الدولي، حيث انضم بالفعل إلى هذه المبادرة أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية حيث وقعت أكثر من 40 دولة على اتفاقيات تعاون مع الصين. فيأتي المنتدى لتحقيق المزيد من التوافق وتحديد اتجاهات التعاون ودفع تنفيذ المشاريع وتحسين نظم الدعم تحت عنوان "تعزيز التعاون الدولي والبناء المشترك ل«الحزام والطريق» من أجل تنمية مربحة لكل الأطراف" بحضور أكثر من 1500 شخص من بينهم مسؤولون وعلماء ورجال أعمال وممثلون عن المؤسسات المالية ومنظمات إعلامية من 130 دولة، إلى جانب ممثلين من أكثر من 70 منظمة دولية. وتشمل القائمة رؤساء دول وحكومات من 29 دولة على الأقل، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس ورئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم والمدير الإداري لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد. إن مبادرة «الحزام والطريق» التي طرحها الرئيس شي جين بينغ لاقت تجاوبا حارا من المملكة وغيرها من دول غرب آسيا وشمال أفريقيا. خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ للمملكة في يناير في العام الماضي، وقع البلدان على وثيقة التعاون بين الحكومتين بشأن التشارك في بناء «الحزام والطريق»، وفي أغسطس (آب) الماضي ترأس نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ قاولي والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، أول اجتماع للجنة الصينية - السعودية المشتركة الرفيعة المستوى بصفتهما رئيسي الجانبين في بكين، وفقا للتوافق بين زعيمي البلدين، وذلك من أجل توجيه وتنسيق التعاون بين البلدين في جميع المجالات. ثم خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى الصين في مارس الماضي، توصل الجانبان الصيني السعودي إلى قائمة أهم مشاريع التعاون في إطار «الحزام والطريق»، الأمر الذي ساهم بإسراع خطوات التعاون بين البلدين. كما ستشارك السعودية في منتدى «الحزام والطريق» بوفد رفيع المستوى يشمل معالي المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ومعالي وزير المالية محمد الجدعان، ومعالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عبدالله بن عامر السواحة وغيرهم من المسؤولين السعوديين، بما يعطي دفعة جديدة للتعاون الصيني السعودي في إطار «الحزام والطريق». في الوقت الراهن، إن الجانبين بصدد دفع مشاريع التعاون في مجالات الطاقة والكيماويات والبنية التحتية والتكنولوجيا وإلخ. فقد تم إنجاز مشاريع عدة منذ 3 سنوات بعد طرح مبادرة «الحزام والطريق» أهمها مصفاة ينبع ومصنع الأسمنت في جنوبالرياض بقيمة 9,34 مليارات دولار أميركي. كما هناك 9 مشاريع تجري الآن مثل محطة الكهرباء بالغاز في جازان وإصلاح وترقية شبكة الإنترنت بقيمة 5,46 مليارات دولار أميركي. بالإضافة إلى 24 مشروعا قيد البحث مثل استخدام المفاعل الحراري المبرد بالغاز في تحلية المياه المالحة ومحطة توليد الكهرباء بالطاقة الجديدة تبلغ قيمتها 50,24 مليار دولار أميركي. وتبلورت بشكل أولي معادلة التعاون «1+2+3» التي تتخذ مجال الطاقة محورا رئيسيا، ومجالي البنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات المتجددة كنقاط الاختراق. إضافة إلى ذلك، يوجد توافق تام بين الصين والمملكة في دفع التكامل الاقتصادي الإقليمي ورفع مستوى حرية التجارة، وتسعيان إلى تسريع وتيرة إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، والارتقاء بمستوى التعاون الصيني - السعودي، والتعاون الجماعي الصيني الخليجي إلى مستويات أعلى. إن شبه الجزيرة العربية التي تقع فيها السعودية منطقة التقاء لطريقي الحرير البري والبحري منذ القدم. كان معرض «طريق الجزيرة العربية... روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» المقام في المتحف الوطني الصيني مؤخرا تجسيدا حيا لمسيرة التواصل الصيني - السعودي، خصوصا التواصل عبر طريق الحرير القديم، وتعتبر الذكريات التاريخية والأيقونة الثقافية المشتركة للبلدين. رغم أن الدول المطلة على طريق الحرير مرت بتغيرات كبيرة على مر العصور، غير أن روح طريق الحرير المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك تتطور وتتوارث حتى يومنا هذا، وتزداد حيويتها القوية باستمرار. في الوقت الراهن، في حين تعمل الصين على تنفيذ مبادرة «الحزام والطريق»، طرحت المملكة «رؤية 2030» و«برنامج التحول الوطني»، الأمر الذي يجعل الجانبين شريكين طبيعيين ومثاليين في بناء «الحزام والطريق»، إذ يمكن للمملكة أن تصبح حلقة مهمة للترابط والتواصل بين الصين والمناطق الباطنية الأوراسية وكذلك همزة وصل مهمة تربط الأسواق الأفريقية الكبيرة. يتطلع الجانب الصيني إلى حصاد إنجازات وصداقة أكثر في التعاون مع المملكة في قضية بناء «الحزام والطريق» العظيمة، بما يحافظ على المصالح التنموية والأمنية للبلدين ولدول الشرق الأوسط. *سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة العربية السعودية