يُعبّر الشعراء عن الكرم بإشعال النار في الليل البهيم، خاصةً ليل الشتاء الطويل، فهي دعوة مفتوحة للضيافة. وماأحوج الساري في صحراء العرب القاحلة الباردة إلى مُضيفٍ كريم، ومكانٍ يفوح بالدفء والصداقة ورائحة (السَّمر) وحسن الاستقبال وشدّة الحفاوة: (أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزَالِ رَحْلِهِ وَيُخْصِبُ عِنْدِي وَالْمَحَلُّ جَدِيبُ وَمَا الْخصْبُ لِلْأَضْيَافِ مِنْ كَثْرِةِ الْقِرَى وَلَكِنَّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ). وكلما كانت النار المشتعلة في الليل مرتفعة، يراها السارون من بعد سحيق، دلّت على شدة الكرم، وشدة الشوق للضيوف، فما يُشعل النار في ظلمات الليل إلّا الكرماء، يدعون السارين من بعيد وعابرين السبيل للضيافة والحفاوة، أما البخلاء فيكرهون الضيف كره العمى، لذلك يحرصون على ألّا يحس بوجودهم أحد، حتى إنّ البخيل إذا اُضْطُرَّ إلى إيقاد نار لحاجته الخاصة، أخفاها وجعلها صغيرة لا يراها أحد، وإن حلب الناقة فبدون صوت، وربما تلقّى حليبها بفمه مباشرة! يقول الفرزدق في تصوير جميل وبلاغة متناهية : (وَرَكْبٍ كَأنّ الرّيحَ تَطلبُ عِندهُمْ لهَا تِرَةً مِنْ جَذْبِها بِالعَصَائِبِ يعضّونَ أطْرَافَ العِصِيّ كَأنّها تُخَزِّمُ بالأطرَافِ شَوْكَ العَقارِبِ سَرَوا يَخِبطونَ اللّيلَ وَهيَ تَلُفّهُمْ على شُعَبِ الأكوَارِ من كلّ جانِبِ إذا ما رَأوْا ناراً يَقُولُونَ: لَيْتَهَا، وَقَدْ خَصِرَتْ أيديهِمُ، نارُ غالِبِ) وفي التاريخ لم ترثِ أختٌ أخاً كما فعلت الخنساء، وقد مدحته بأنه شديد الكرم، ورمزت لذلك بكثرة إشعاله النار في ليالي الشتاء الباردة الجائعة: (طويلُ النِّجادِ رَفِيعُ العِمَادِ كثيرُ الرَّمَادِ إذا مَا شَتَا)