من المهم في هذه المرحلة التي تشهد إصلاحات وتطورات على مستوى السياسات الاقتصادية بالمملكة التي تضمنتها رؤية 2030م، أن تتهيأ المدن في المملكة مكانياً لاستيعاب برامج الرؤية، وأعني بذلك أن نجاح الرؤية مرهون بقدرة المدن على الاستجابة لتوجهات الرؤية والتفاعل معها بشكلٍ مبكر لضمان تحقيق الأهداف المنشودة. لا شك أن وزارة الشؤون البلدية والقروية سباقة لهذا الأمر من خلال ما نقرأه وتطالعنا به أخبار الوزارة بتبنيها لمبادرات جبارة في التحول البلدي المنبثق من برنامج التحول الوطني ورؤية المملكة التطويرية 2030م، وعملها على تحديث الاستراتيجية العمرانية الوطنية لتتواكب مع توجهات الرؤية، وتوجهها نحو تطبيق مفاهيم وعناصر المدن الذكية في خمس مدن لتعزيز تنافسيتها واستدامتها الحضرية، وغير ذلك من البرامج التي تعمل عليها الوزارة بهدف تحقيق توجهات الرؤية. إلا أنني هنا أعني أهمية دراسة وتحديد مدى قدرة المدن في المملكة للاستجابة لمخرجات وسياسات رؤية المملكة؟ وماهي الفرص المتاحة مكانياً؟ وما هي العوائق؟ وماذا يلزم لسد الفجوات لتحقيق أعلى قدر من التنمية المكانية؟ فعلى سبيل المثال: نجد أن الرؤية تؤكد على تنويع مصادر الدخل، والتوجه نحو الصناعة والاستثمار التعديني؛ فهل مدن المملكة قادرة على الاستجابة لذلك؟ وهل يوجد لديها تخصص وظيفي لتوجيه الصناعات والاستثمارات التعدينية وفق مزاياها المكانية؟ وهل تملك ما يكفي من الخدمات اللوجستية لتعزيز تحولها إلى مركز لوجستي عالمي كما تهدف إليه الرؤية؟ فنحن نعلم جميعاً أن مدن المملكة راسخة وغنية بالموارد الطبيعية، والتعدينية، وتمتاز بتوفر بنية أساسية عالية من الطرق، والمرافق، والخدمات، وتشهد كثافة في المشاريع التنموية بحمد الله، لكنها في الوقت ذاته تعاني من استنزاف وهدرٍ للموارد والإمكانات نظراً لعدم الاستفادة من مزاياها النسبية والوظيفية، وعدم استغلال مواردها المكانية بالشكل الصحيح، لذا نتطلع أن يتم تشخيص حال المدن مبكراً وتحديد مكامن القوة والضعف وسبل سد الفجوات، لضمان استفادة المدن وساكنيها من برامج الرؤية اقتصادياً ومكانياً. *متخصص في التخطيط العمراني والتنمية