يختلف الشعر المبدع عن مجرد النظم بصوره الفنية المؤثرة، والتي تظمىء وتروي، وتمارس الإظماء والإرواء بالتعاقب، وتُظهر وتخفي، وذلك تقريباً هو سرُّ الجمال في جميع الفنون، ولذلك يتم وصفها كلها بالفنون الجميلة .. وأروع ماتتجلّى (الصورة الفنية) حين تكون وسيلةً لنقل العاطفة الصادقة، وجناحاً يُحلّق بالمشاعر، ويجعل قارىء الشعر يطير في الخيال، أما إذا كانت الصور (غاية) لدى الشاعر، فيُكثر من الاستعارات والتشبيهات لمجرد إثبات ألاَ يَا حَمَامَاتَ الحِمَى عُدْنَ عَوُدَة فإني إلى أصواتكن حنونُ يا ذا الحمام اللي سجع بلحون وش بك على عيني تبكّيها المهارة في فنون البلاغة ، فإنّ الشعر هنا تغلب عليه (الصناعة) ويميل إلى التكلف، وإنما الجميل في التصور الفني ما فاض من قلب الشاعر كوسيلة لتحرير عواطفه، والتنفيس عن مشاعره، وتجسيد معانيه بأشكال تتلاءم مع إحساسه الداخلي، وتستطيع بث الحياة فيه، وبعث الروح الحية، وكأنّ الصور الفنية -هنا- تيار كهربائي ينير مصابيح المعاني، ويدفىء بارد الشعور وينقل ذلك التيار للمتلقي فيحس بحرارة عواطف الشاعر المُجسّدة بشكل إبداعي جمالي.. ولندع الآن النثر يصمت، ليغرِّد الشعر بجرسه المموسق، وصوره البارعة النابعة من القلب: ألاَ يَا حَمَامَاتَ الحِمَى عُدْنَ عَوُدَة ً فإني إلى أصواتكن حنونُ فَعُدْنَ فلما عدن لشقوتي وكِدْتُ بِأسْرارٍ لَهُنَّ أُبينُ وَعُدْنَ بِقَرْقَارِ الهَدِيرِ كأنَّمَا شربن مداماً أو بهن جنون فَلَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُنَّ حَمَائِماً بَكَيْنَ فَلَمْ تَدْمَعْ لهُنَّ عُيُونُ وكُنَّ حمامات جميعاً بعطيل فأصبحن شتى ما لهن قرين فأصبحن قد قرقرن إلا حمامة لهَا، مِثْلُ نَوْحِ النائِحَاتِ، رَنِينُ تذكرني ليلى على بعد دارها رواجف قلب مات وهو حزين إذا مَا خَلاَ لِلْنَّوْمِ أرَّقَ عَيْنَه نوائح وِرْقٍ فرشهن غصون تداعين من البكاء تألفاً فقلبن أرياشاً وهُنّ سكون فيا ليت ليلى بعضهن وليتني أطير ودهري عندهن ركين (قيس بن الملوح) يا ذا الحمام اللي سجع بلحون وش بك على عيني تبكّيها ذكّرتني عصر مضى وفنون قبلك دروب الغي ناسيها اهلي يلوموني ولا يدرون والنار تحرق رجل واطيها لا تطري الفرقى على المحزون ما اداني الفرقى وطاريها اربع بناجر في يد المزيون توّه ضحى العيد شاريها عمره ثمان مع عشر مضمون مشي الحمام الراعبي فيها ستة بناجر واربعه يزهون وان اقبلت فالنور غاشيها يا من يباصرني انا مفتون روحي ترى فيها الذي فيها ومن الولع والحب انا مجنون يا ناس انا وش حيلتي فيها؟ (محمد بن لعبون) سيدي قم ما خبرت إللي يحب يشتهي النوم سيدي قم لا تنام و في السما باقي نجوم يا جريح البارحه كيف طبت اليوم سيدي يا سيدي قوم سيدي الليل للعاشق نهار قم معي نجمع نجوم الظلام سيدي لو عرفت الانتظار ما غفى لك جفن يا عذب الكلام أه لو تدري الهوى و السهر مقسوم يا جريح البارحه كيف طبت اليوم سيدي يا سيدي قوم سيدي لا تناظرني بغضب ودّي تحس مثلي بالغرام سيدي ما وراك إلا التعب ليت عيني مثل عينك تنام ولا غدا قلبك خلي ما يفيد اللوم يا جريح البارحه كيف طبت اليوم سيدي يا سيدي قوم (بدر بن عبد المحسن)